التفاسير

< >
عرض

قَالَ رَبِّ ٱجْعَلْ لِّيۤ آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ ٱلنَّاسَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزاً وَٱذْكُر رَّبَّكَ كَثِيراً وَسَبِّحْ بِٱلْعَشِيِّ وَٱلإِبْكَارِ
٤١
-آل عمران

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ قَالَ رَبّ ٱجْعَل لِّى ءايَةً } أي علامة تدلني على تحقق المسؤول ووقوعِ الحبَل وإنما سألها لأن العلوقَ أمرٌ خفيٌّ لا يوقف عليه فأراد أن يُطلعه الله تعالى عليه ليتلقّى تلك النعمةَ الجليلة من حين حصولِها بالشكر ولا يؤخِّرَه إلى أن يظهر ظهوراً معتاداً، ولعل هذا السؤالَ وقع بعد البشارة بزمانٍ مديد إذ به يظهر ما ذُكر من كون التفاوت بـين سِني يحيـى وعيسى عليهما الصلاة والسلام بستة أشهر أو بثلاثِ سنينَ لأن ظهورَ العلامة كان عَقيبَ تعيـينها لقوله تعالى في سورة مريم: { { فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوْمِهِ مِنَ ٱلْمِحْرَابِ فَأَوْحَىٰ إِلَيْهِمْ } [مريم، الآية 11] الآية، اللهم إلا أن تكونَ المجاوَبةُ بـين زكريا ومريمَ في حالة كِبَرها وقد عُدت من جملة من تكلم في الصِغَر بموجب قولها المحكي والجعلُ إبداعيّ واللام متعلقة به والتقديم لما مر مراراً من الاعتناء بما قدم والتشويق إلى ما أُخر أو بمحذوف وقع حالاً من آية وقيل: هو بمعنى التصيـير المستدعي لمفعولين أولُهما { ءايَةً } وثانيهما { لِى } والتقديم لأنه لا مسوّغ لكون آيةٌ مبتدأً عند انحلال الجملة إلى مبتدأ وخبر سوى تقديم الجار فلا يتغير حالهما بعد دخول الناسخ { قَالَ آيتك ألا تُكَلّمَ ٱلنَّاسَ } أي أن تقدر على تكليمهم { ثَلَـٰثَةَ أَيَّامٍ } أي متوالية لقوله تعالى في سورة مريم: { ثَلَـٰثَ لَيَالٍ سَوِيّاً } [مريم، الآية 10] مع القدرة على الذكر والتسبـيح وإنما جُعلت آيتُه ذلك لتخليص المدة لذكر الله تعالى وشكره قضاءً لحق النعمة كأنه قيل: آيةُ حصولِ المطلوب ووصول النعمة أن تحبِسَ لسانك إلا عن شكرها، وأحسنُ الجواب ما اشتق من السؤال { إِلاَّ رَمْزًا } أي إشارةً بـيد أو رأس أو نحوِهما وأصلُه التحركُ يقال: ارتمزَ أي تحرك ومنه قيل للبحر: الراموز، وهو استثناء منقطعٌ لأن الإشارة ليست من قبـيل الكلام، أو متصلٌ على أن المراد بالكلام ما فهم منه المرام ولا ريب في كون الرمز من ذلك القبـيل وقرىء رَمَزاً بفتحتين على أنه جمع رامز كخَدَم وبضمتين على أنه جمع رَموز كرُسُل على أنه حال منه ومن الناس معاً بمعنى مترامزين كقوله: [الوافر]

متى ما تلْقني فردَيْنِ ترجُفروانف إليَتَيكَ وتُستطارا

{ وَٱذْكُر رَّبَّكَ } أي في أيام الحبس شكراً لحصول التفضُّل والإنعام كما يُؤْذِن به العَرْضُ لعنوان الربوبـية { كَثِيراً } أي ذكراً كثيراً أو زماناً كثيراً { وَسَبِّحْ } أي سبحه تعالى أو افعل التسبـيحَ { بِٱلْعَشِىّ } أي من الزوال إلى الغروب وقيل: من العصر إلى ذهاب الليل { وَٱلإبْكَـٰرِ } من طلوع الفجرِ إلى الضحى، قيل: المرادُ بالتسبـيح الصلاةُ بدليل تقيـيده بالوقت كما في قوله تعالى: { { فَسُبْحَانَ ٱللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ } [الروم، الآية 17] وقيل: الذكر اللساني كما أن المراد بالذكر الذكرُ القلبـي وقرىء الأبكار بفتح الهمزة على أنه جمعُ بكَر كسحرَ وأسحار.