التفاسير

< >
عرض

قُلْ يٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجاً وَأَنْتُمْ شُهَدَآءُ وَمَا ٱللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ
٩٩
-آل عمران

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ قُلْ يٰأَهْلَ ٱلْكِتَـٰبِ } أمرٌ بتوبـيخهم بالإضلال إثرَ توبـيخِهم بالضلال، والتكريرُ للمبالغة في حمله عليه السلام على تقريعهم وتوبـيخِهم، وتركُ عطفِه على الأمر السابقِ للإيذان باستقلالهم كما أن قطْعَ قولِه تعالى: { لِمَ تَصُدُّونَ } عن قوله تعالى: { لِمَ تَكْفُرُونَ } للإشعار بأن كلَّ واحدٍ من كُفرهم وصدِّهم شناعةٌ على حيالها مستقِلةٌ في استتباع اللائمةِ والتقريعِ، وتكريرُ الخطابِ بعنوان أهليةِ الكتابِ لتأكيد الاستقلالِ وتشديدِ التشنيع فإن ذلك العنوانَ كما يستدعي الإيمانَ بما هو مصدِّقٌ لما معهم يستدعي ترغيبَ الناسِ فيه، فصدُّهم عنه في أقصى مراتبِ القَباحةِ ولكون صدِّهم في بعض الصورِ بتحريف الكتابِ والكفرِ بالآياتِ الدالةِ على نبُوَّته عليه السلام، وقرىء تُصِدّون من أصَدَّه { عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } أي دينِه الحقِّ الموصلِ إلى السعادة الأبدية، وهو التوحيدُ وملةُ الإسلام { مَنْ ءامَنَ } مفعول لتصُدُّون قُدِّم عليه الجارُّ والمجرورُ للاهتمام به. كانوا يفتِنون المؤمنين ويحتالون لصدهم عنه ويمنعون من أراد الدخولَ فيه بجُهدهم، ويقولون: إن صفتَه عليه السلام ليست في كتابهم ولا تقدّمت البِشارةُ به عندهم، وقيل: أتت اليهودُ الأوسَ والخزرجَ فذكّروهم ما كان بـينهم في الجاهلية من العداوات والحروبِ ليعودا إلى ما كانوا فيه { تَبْغُونَهَا } على إسقاط الجارِّ وإيصالِ الفعل إلى الضمير كما في قوله: [الخفيف]

فتولىٰ غلامُهم ثم نادىأظليماً أصيدُكم أم حمارا

بمعنى أصيدُ لكم أي تطلُبون لسبـيل الله التي هي أقومُ السبل { عِوَجَاً } اعوجاجاً بأن تَلْبِسوا على الناس وتُوهِموا أن فيه ميلاً عن الحق بنفي النسخِ وتغيـيرِ صفةِ الرسولِ صلى الله عليه وسلم عن وجهها ونحو ذلك. والجملةُ حالٌ من فاعل تصُدّون وقيل: من سبـيل الله { وَأَنْتُمْ شُهَدَاء } حالٌ من فاعل تصُدون باعتبار تقيـيدِه بالحال الأولى أو من فاعل تبغونها أي والحالُ أنكم شهداءُ تشهدون بأنها سبـيلُ الله لا يحوم حولَها شائبةُ اعوجاجٍ وأن الصدَّ عنها إضلالٌ قال ابن عباس رضي الله عنهما: أي شهداءُ [على] أن في التوراة إن دينَ الله الذي لا يُقبل غيرُه هو الإسلامُ أو وأنتم عدولٌ فيما بـينكم يثقون بأقوالكم ويستشهدونكم في القضايا وعظائمِ الأمور { وَمَا ٱللَّهُ بِغَـٰفِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ } اعتراضٌ تذيـيليٌ فيه تهديدٌ ووعيدٌ شديدٌ، قيل: لما كان صدُّهم للمؤمنين بطريق الخُفْية خُتمت الآيةُ الكريمة بما يحسِمُ مادةَ حيلتهم من إحاطة علمِه تعالى بأعمالهم كما أن كفرَهم بآياتِ الله تعالى لمّا كان بطريق العلانيةِ خُتمت الآية السابقةُ بشهادته تعالى على ما يعملون.