التفاسير

< >
عرض

وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي ٱلدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَٱتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ
١٥
يٰبُنَيَّ إِنَّهَآ إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ أَوْ فِي ٱلأَرْضِ يَأْتِ بِهَا ٱللَّهُ إِنَّ ٱللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ
١٦
يٰبُنَيَّ أَقِمِ ٱلصَّلاَةَ وَأْمُرْ بِٱلْمَعْرُوفِ وَٱنْهَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَٱصْبِرْ عَلَىٰ مَآ أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ ٱلأُمُورِ
١٧
-لقمان

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ وَإِن جَـٰهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ } أي بشركتِه له تعالى في استحقاقِ العبادةِ { عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا } في ذلك { وَصَـٰحِبْهُمَا فِى ٱلدُّنْيَا مَعْرُوفاً } أي صحاباً معروفاً يرتضيِه الشَّرعُ وتقتضيه المروءةُ. { وَٱتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ } بالتَّوحيدِ والإخلاصِ في الطَّاعةِ { ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ } أي مرجعُك ومرجعُهما ومرجعُ من أناب إليَّ { فَأُنَبِئُكُم } عند رجوعِكم { بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } بأنْ أجازيَ كُلاًّ منكم بما صدَر عنه من الخيرِ والشرِّ. وقولُه تعالى { يَا بَنِي } الخ شروعٌ في حكايةِ بقيةِ وصايا لقمانَ إثرَ تقريرِ ما في مطلعِها من النَّهيِ عن الشِّركِ وتأكيدهِ بالاعتراضِ { إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مّنْ خَرْدَلٍ } أي إنَّ الخصلةَ من الإساءةِ أو الإحسانِ إنْ تكُ مثلاً في الصِّغرِ كحَّبةِ الخردلِ، وقُرىء برفعِ مثقال على أنَّ الضَّميرَ للقصَّةِ وكانَ تامَّةٌ. والتَّأنيثُ لإضافةِ المثقالِ إلى الحبَّةِ كما في قولِ مَن قالَ: [الطويل]

[وتَشْرِق بالقول الذي قد أَذَعْتهُ]كَما شرِقتْ صدرُ القناةِ من الدَّمِ

أو لأنَّ المرادَ به الحسنةُ أو السيِّئةُ { فَتَكُنْ فِى صَخْرَةٍ أَوْ فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ أَوْ فِى ٱلأَرْضِ } أي فتكُن مع كونِها في أقصى غاياتِ الصِّغرِ والقَماءةِ في أخفى مكانٍ وأحرزه كجوفِ الصَّخرةِ أو حيثُ كانتْ في العالمِ العُلويِّ أو السُّفليِّ { يَأْتِ بِهَا ٱللَّهُ } أي يُحضرها ويُحاسبُ عليها { إِنَّ ٱللَّهَ لَطِيفٌ } يصلُ علمُه إلى كلِّ حفيَ { خَبِيرٌ } بكُنهِه وبَعْدَ ما أمرَهُ بالتَّوحيدِ الذي هُو أولُ ما يجبُ على الإنسانِ في ضمنِ النَّهي عن الشِّركِ ونبَّهه على كمالِ علمِ الله تعالى وقدرتِه أمرَه بالصَّلاة التي هي أكملُ العباداتِ تكميلاً له من حيثُ العملُ بعد تكميلِه من حيثُ الاعتقادُ فقال مستميلاً له { يَا بَنِىَّ أَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ } تكميلاً لنفسِك { وَأْمُرْ بِٱلْمَعْرُوفِ وَٱنْهَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ } تكميلاً لغيرِك { وَٱصْبِرْ عَلَىٰ مَا أَصَابَكَ } من الشَّدائدِ والمحنِ لا سيَّما فيما أُمرت به { إِنَّ ذٰلِكَ } إشارةٌ إلى كلِّ ما ذُكر، وما فيهِ من معنى البُعد مع قُرب العهدِ بالمشارِ إليه لما مرَّ مراراً من الإشعارِ ببُعدِ منزلتِه في الفضل { مِنْ عَزْمِ ٱلأُمُورِ } أي ممَّا عزمَهُ الله تعالى وقطَعه على عبادِه من الأمورِ لمزيدِ مزيَّتِها، مصدرٌ أُطلق على المفعولِ، وقد جُوِّز أنْ يكونَ بمعنى الفاعلِ من قوله تعالى: { { فَإِذَا عَزَمَ ٱلأَمْر } [سورة محمد: الآية 21] أي جدَّ والجملةُ تعليلٌ لوجوبِ الامتثالِ بما سبقَ من الأمرِ والنَّهي وإيذانٌ بأنَّ ما بعدها ليس بمثابتِه.