التفاسير

< >
عرض

وَأَمَّا ٱلَّذِينَ فَسَقُواْ فَمَأْوَاهُمُ ٱلنَّارُ كُلَّمَآ أَرَادُوۤاْ أَن يَخْرُجُواُ مِنْهَآ أُعِيدُواْ فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُواْ عَذَابَ ٱلنَّارِ ٱلَّذِي كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ
٢٠
وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِّنَ ٱلْعَذَابِ ٱلأَدْنَىٰ دُونَ ٱلْعَذَابِ ٱلأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ
٢١
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَآ إِنَّا مِنَ ٱلْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ
٢٢
وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَابَ فَلاَ تَكُن فِي مِرْيَةٍ مِّن لِّقَآئِهِ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِيۤ إِسْرَائِيلَ
٢٣
-السجدة

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ وَأَمَّا ٱلَّذِينَ فَسَقُواْ } أي خرجُوا عن الطَّاعةِ { فَمَأْوَاهُمُ } أي ملجأهُم ومنزلُهم { ٱلنَّارُ } مكانَ جنَّاتِ المأوى للمؤمنينَ { كُلَّمَا أَرَادُواْ أَن يَخْرُجُواُ مِنْهَا أُعِيدُواْ فِيهَا } استئنافٌ لبـيانِ كيفيةِ كونِ النَّارِ مأواهم. يُروى أنَّه يضربُهم لهَبُ النَّارِ فيرتفعونَ إلى طبقاتِها حتَّى إذا قربُوا من بابِها وأرادُوا أنْ يخرجُوا منها يضربُهم اللَّهبُ فيهوون إلى قعرِها وهكذا يُفعل بهم أبداً وكلمةُ فِي للدِّلالةِ على أنَّهم مستقرُّون فيها وإنَّما الإعادةُ من بعضِ طبقاتِها إلى بعضٍ { وَقِيلَ لَهُمْ } تشديداً عليهم وزيادةً في غيظِهم { ذُوقُواْ عَذَابَ ٱلنَّارِ ٱلَّذِي كُنتُمْ بِهِ } أي بعذابِ النَّارِ { تُكَذّبُونَ } على الاستمرارِ في الدُّنيا { وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مّنَ ٱلْعَذَابِ ٱلأَدْنَىٰ } أي عذابِ الدُّنيا وهو ما مُحِنُوا به من السَّنةِ سبعَ سنينَ والقتلِ والأسرِ { دُونَ ٱلْعَذَابِ ٱلأَكْبَرِ } الذي هو عذابُ الآخرةِ { لَعَلَّهُمْ } لعلَّ الذين يُشاهدونه وهُم في الحياةِ { يَرْجِعُونَ } يتوبُون عن الكفرِ. رُوي أن الوليدَ بنَ عُقبةَ فاخرَ عليًّا رضيَ الله عنه يومَ بدرٍ فنزلتْ هذه الآياتُ { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكّرَ بِـئَايَـٰتِ رَبّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا } بـيانٌ إجماليٌّ لحالِ من قابلَ آياتِ الله تعالى بالإعراضِ بعد بـيانِ حالِ مَن قابلها بالسُّجودِ والتَّسبـيحِ والتَّحميدِ. وكلمةُ ثمَّ لاستبعادِ الإعراضِ عنها عقلاً مع غايةِ وضوحِها وإرشادِهم إلى سعادةِ الدَّارينِ كما في بـيتِ الحماسةِ: [الطويل]

وَلاَ يَكْشِفُ الغَمَّاءَ إِلاَّ ابْنُ حُرَّةيَرَى غَمَراتِ المَوْتِ ثُمَّ يزُورُها

أي هو أظلمُ مِن كلِّ ظالمٍ وإن كان سبكُ التَّركيبِ على نفيِ الأظلمِ من غيرِ تعرُّضٍ لنفيِ المُساوي. وقد مرَّ مراراً { إِنَّا مِنَ ٱلْمُجْرِمِينَ } أي من كلِّ منِ اتَّصف بالإجرامِ وإنْ هانتْ جريمتُه { مُنتَقِمُونَ } فكيفَ ممَّن هو أظلمُ من كلِّ ظالمٍ وأشدُّ جُرماً من كلِّ مجرم.

{ وَلَقَدْ ءاتَيْنَا مُوسَىٰ ٱلْكِتَـٰبَ } أي التَّوراةَ عبَّر عنها باسمِ الجنسِ لتحقيقِ المجانسةِ بـينها وبـينَ الفُرقانِ والتنبـيهِ على أنَّ إيتاءَه لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم كإيتائِها لمُوسى عليهِ السَّلامُ { فَلاَ تَكُن فِى مِرْيَةٍ مّن لّقَائِهِ } من لقاءِ الكتابِ الذي هو الفُرقان كقوله: وإنك لتلقَّى القرآنَ والمعنى إنَّا آتينا مُوسى مثلَ ما آتيناك من الكتابِ ولقَّيناه من الوحيِ مثلَ ما لقَّيناك من الوحيِ فلا تكُن في شكَ من أنَّك لقيتَ مثلَه ونظيرَه وقيل: من لقاءِ مُوسى الكتاب أو من لقائِك مُوسى وعنه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: "رأيتُ ليلة أُسري بـي مُوسى رجلاً آدَمَ طُوالاً جَعْداً كأنَّه من رجالِ شنوءة" { وَجَعَلْنَـٰهُ } أي الكتابَ الذي آتيناهُ مُوسى { هُدًى لّبَنِى إِسْرٰءيلَ } قيل: لم يُتعبدْ بما في التَّوراةِ ولدُ إسماعيلَ.