التفاسير

< >
عرض

فَإِذَا قَضَيْتُمُ ٱلصَّلَٰوةَ فَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىٰ جُنُوبِكُمْ فَإِذَا ٱطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَٰوةَ إِنَّ ٱلصَّلَٰوةَ كَانَتْ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ كِتَٰباً مَّوْقُوتاً
١٠٣
وَلاَ تَهِنُواْ فِي ٱبْتِغَآءِ ٱلْقَوْمِ إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ وَتَرْجُونَ مِنَ ٱللَّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً
١٠٤
-النساء

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ فَإِذَا قَضَيْتُمُ ٱلصَّلَوٰةَ } أي صلاةَ الخوفِ أي أديتموها على الوجه المبـيّنِ وفرَغتم منها { فَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ قِيَـٰماً وَقُعُوداً وَعَلَىٰ جُنُوبِكُمْ } أي فداوموا على ذكر الله تعالى وحافِظوا على مراقبته ومناجاتِه ودعائِه في جميع الأحوالِ حتى في حال المسايفة والقتالِ، كما في قوله تعالى: { { إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَٱثْبُتُواْ وَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } [الأنفال، الآية 45] { فَإِذَا ٱطْمَأْنَنتُمْ } سكنَت قلوبُكم من الخوف وأمِنتم بعدما وضعت الحربُ أوزارَها { فأقِيمُوا الصَّلاةَ } أي الصلاةَ التي دخل وقتُها حينئذ أي أدُّوها بتعديل أركانِها ومراعاةِ شرائطِها، وقيل: المرادُ بالذكر في الأحوال الثلاثةِ الصلاةُ فيها أي فإذا أردتم أداءَ الصلاةِ فصلّوا قِياماً عند المسايفةِ وقعوداً جاثين على الرّكَب عند المراماةِ وعلى جنوبكم مُثخَنين بالجِراح، فإذا اطمأننتم في الجملة فاقضُوا ما صليتم في تلك الأحوالِ التي هي [من] أحوال القلقِ والانزعاجِ، وهو رأيُ الشافعيِّرحمه الله وفيه من البعد ما لا يخفى.

{ إنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى المُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً } أي فرضاً موقتاً، قال مجاهدٌ: وقّته الله عليهم فلا بد من إقامتها في حالة الخوفِ أيضاً على الوجه المشروحِ، وقيل: مفروضاً مقدّراً في الحضَر أربَعَ ركعاتٍ وفي السفر ركعتين فلا بد أن تؤدّىٰ في كل وقتٍ حسبما قُدِّر فيه.

{ وَلاَ تَهِنُواْ فِى ٱبْتِغَاء ٱلْقَوْمِ } أي لا تضعُفوا ولا تتوانَوا في طلب الكفارِ بالقتال والتعرّضِ لهم بالحِراب، وقوله تعالى: { إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ وَتَرْجُونَ مِنَ ٱللَّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ } تعليلٌ للنهي وتشجيعٌ لهم، أي ليس ما تقاسونه من الآلام مختصاً بكم بل هو مشترَكٌ بـينكم وبـينهم، ثم إنهم يصبِرون على ذلك فما لكم لا تصبِرون؟ مع أنكم أولى به منهم حيث ترجُون من الله من إظهار دينِكم على سائر الأديانِ ومن الثواب في الآخرة ما لا يخطُر ببالهم. وقرىء أن تكونوا بفتح الهمزة أي لا تهِنوا لأن تكونوا تألمون، وقوله تعالى: { فَإِنَّهُمْ } تعليلٌ للنهي عن الوهن لأجله، والآيةُ نزلت في بدرٍ الصُّغرى { وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيماً } مبالِغاً في العلم فيعلم أعمالَكم وضمائرَكم { حَكِيماً } فيما يأمُر وينهىٰ فجِدُّوا في الامتثال بذلك فإن فيه عواقبَ حميدةً.