التفاسير

< >
عرض

وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلاً لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ ٱللَّهُ مُوسَىٰ تَكْلِيماً
١٦٤
-النساء

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ وَرُسُلاً } نُصب بمضمر يدل عليه أوحينا معطوفٍ عليه داخلٍ معه في حُكم التشبـيهِ كما قبله أي وكما أرسلنا رسلاً لا بما يفسِّره قولُه تعالى: { قَدْ قَصَصْنَـٰهُمْ عَلَيْكَ } أي وقصصنا رسلاً كما قالوا وفرّعوا عليه أن قولَه تعالى: { قَدْ قَصَصْنَـٰهُمْ } على الوجه الأول منصوبٌ على أنه صفةٌ لرسلاً وعلى الوجه الثاني لا محل له من الإعراب فإنه مما لا سبـيلَ إليه كما ستقف عليه، وقرىء برفع رسلٌ وقولُه تعالى: { مِن قَبْلُ } متعلقٌ بقصصنا أي قصصنا من قبلِ هذه السورةِ أو اليوم.

{ وَرُسُلاً لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ } عطفٌ على رسلاً منصوبٌ بناصبه، وقيل: كلاهما منصوبٌ بنزع الخافضِ والتقديرُ كما أوحينا إلى نوحٍ وإلى رسل الخ، والحقُّ أن يكون انتصابُهما بأرسلنا فإن فيه تحقيقاً للمماثلة بـين شأنِه عليه الصلاةُ والسلام وبـين شؤونِ من يعترفون بنبوته من الأنبـياء عليهم السلام في مطلق الإيحاءِ ثم إيتاءِ الكتابِ ثم في الإرسال، فإن قوله تعالى: { إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ } [النساء، الآية: 162] منتظِمٌ لمعنى آتيناك وأرسلناك حتماً، كأنه قيل: إنا أوحينا إليك إيحاءً مثلَ ما أوحينا إلى نوح ومثلَ ما أوحينا إلى إبراهيمَ ومَنْ بعده، وآتيناك الفرقانَ إيتاءً مثلَ ما آتينا داودَ زبوراً وأرسلناك إرسالاً مثلَ ما أرسلنا رسلاً قد قصصناهم عليك من قبلُ ورسلاً آخَرين لم نقصُصْهم عليك من غير تفاوتٍ بـينك وبـينهم في حقيقة الإيحاءِ، وأصلِ الإرسالِ، فما للكفرة يسألونك شيئاً لم يُعطَه أحدٌ من هؤلاء الرسلِ عليهم السلام؟ ومن هٰهنا اتضح أن رسلاً لا يمكن نصبُه بقصصنا فإن ناصبَه يجب أن يكون معطوفاً على أوحينا داخلاً معه في حُكم التشبـيهِ الذي يدور فلَكُ الاحتجاجِ على الكفرة ولا ريب في أن قصصنا لا تعلُّقَ له بشيء من الإيحاء والإيتاءِ حتى يمكنَ اعتبارُه في ضمن قولِه تعالى: { إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ } ثم يعتبرُ بـينه وبـين المذكورِ مماثلةٌ مصحِّحةٌ للتشبـيه على أن تقديرَه في رسلاً الأوّلِ يقتضي تقديرَ نفيِه في الثاني وذلك أشدُّ استحالةً وأظهرُ بطلاناً.

{ وَكَلَّمَ ٱللَّهُ مُوسَىٰ } برفع الجلالةِ ونصبِ موسى، وقرىء على القلب، وقوله تعالى: { تَكْلِيماً } مصدرٌ مؤكدٌ رافعٌ لاحتمال المجازِ. قال الفراء: العربُ تسمِّي ما وصل إلى الإنسان كلاماً بأي طريقٍ وصل ما لم يؤكَّدْ بالمصدر فإذا أُكّد به لم يكنْ إلا حقيقةُ الكلامِ، والجملةُ إما معطوفةٌ على قوله تعالى: { { إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ } [النساء: الآية 163] عطفَ القصةِ على القصة لا على آتينا وما عطف عليه، وإما حالٌ بتقدير قد كما ينبىء عنه تغيـيرُ الأسلوبِ بالالتفات، والمعنى أن التكليمَ بغير واسطةٍ منتهىٰ مراتبِ الوحي خُصَّ به موسى من بـينهم فلم يكن ذلك قادحاً في نبوة سائرِ الأنبـياءِ عليهم السلام فكيف يُتوَّهم كونُ نزولِ التوراة عليه السلام ــ جملةً ــ قادحاً في صحة نبوةِ من أنزل عليه الكتابُ مفصلاً مع ظهور أن نزولَها كذلك لحِكَمٍ مقتضيةٍ لذلك من جملتها أن بني إسرائيلَ كانوا في العِناد وشدةِ الشكيمة بحيث لو لم يكن نزولُها كذلك لما آمنوا بها، ومع ذلك ما آمنوا بها إلا بعد اللّتيا والتي وقد فضل الله تعالى نبـينا محمداً صلى الله عليه وسلم بأن أعطاه مثلَ ما أعطى كلَّ واحدٍ منهم صلى الله عليهم وسلم تسليماً كثيراً.