التفاسير

< >
عرض

لَّـٰكِنِ ٱللَّهُ يَشْهَدُ بِمَآ أَنزَلَ إِلَيْكَ أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَٱلْمَلاۤئِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً
١٦٦
إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ قَدْ ضَلُّواْ ضَلَٰلاً بَعِيداً
١٦٧
إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَظَلَمُواْ لَمْ يَكُنِ ٱللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً
١٦٨
-النساء

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ لَّـٰكِنِ ٱللَّهُ يَشْهَدُ } بتخفيف النون ورفع الجلالة، وقرىء بتشديد النونِ ونصبِ الجلالةِ، وهو استدراك عما يُفهم مما قبله كأنهم لما تعنّتوا عليه بما سبق من السؤال واحتَجّ عليهم بقوله تعالى: { إِنَّا أَوْحَيْنَا } [النساء، الآية: 163] الخ، قيل: إنهم لا يشهدون بذلك لكنَّ الله يشهد { بِمَا أَنزَلَ إِلَيْكَ } على البناء للفاعل، وقرىء على البناء للمفعولِ والباءُ صلةٌ للشهادة أي يشهد بحقية ما أنزل إليك من القرآن المعجزِ الناطِقِ بنبوتك، وقيل: (لما نزل قوله تعالى: { { إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ } [النساء، الآية: 163] قالوا: ما نشهد لك بذلك فنزل) لكنِ الله يشهد.

{ أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ } أي ملتبساً بعلمه الخاصِّ الذي لا يعلمه غيرُه وهو تأليفُه على نمط بديعٍ يَعجِز عنه كلُّ بليغٍ، أو بعلمه بحال مَنْ أنزله عليه واستعدادِه لاقتباس الأنوارِ القدسية، أو بعلمه الذي يحتاج إليه الناسُ في معاشهم ومعادِهم، فالجارُّ والمجرورُ على الأولين حال من الفاعل وعلى الثالث من المفعولِ، والجملةُ في موقع التفسيرِ لما قبلها وقرىء نزّله، وقولُه تعالى: { وَٱلْمَلَـئِكَةُ يَشْهَدُونَ } أي بذلك، مبتدأٌ وخبرٌ والجملةُ عطفٌ على ما قبلها، وقيل: حالٌ من مفعول أنزله، أي أنزله والملائكةُ يشهدون بصدقه وحقِّيتِه { وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً } على صحة نُبوّتِك حيث نصَبَ لها معجزاتٍ باهرةً وحججاً ظاهرةً مغْنيةً عن الاستشهاد بغيرها.

{ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } أي بما أنزل الله تعالى وشهِد به أو بكل ما يجب الإيمانُ به وهو داخلٌ فيه دخولاً أولياً، والمرادُ بهم اليهودُ حيث كفروا به { وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } ــ وهو دينُ الإسلام ــ مَنْ أراد سلوكَه بقولهم: ما نعرِف صفةَ محمدٍ في كتابنا، وقرىء صُدُّوا مبنياً للمفعول { قَدْ ضَلُّواْ } بما فعلوا من الكفر والصدِّ عن طريق الحق { ضَلَـٰلاً بَعِيداً } لأنهم جمعوا بـين الضلال والإضلالِ ولأن المُضِل يكون أعرقَ في الضلال وأبعدَ من الإقلاع عنه.

{ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } أي بما ذكر آنفاً { وَظَلَمُواْ } أي محمداً صلى الله عليه وسلم بإنكار نبوّتِه وكتمانِ نعوتِه الجليلةِ ووضعِ غيرِها مكانَها، أو الناسَ بصدهم عما فيه صلاحُهم في المعاش والمعاد { لَّمْ يَكُنْ ٱللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ } لاستحالة تعلّقِ المغفرةِ بالكافر { وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً }.