التفاسير

< >
عرض

إِلاَّ طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً وَكَانَ ذٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيراً
١٦٩
يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ قَدْ جَآءَكُمُ ٱلرَّسُولُ بِٱلْحَقِّ مِن رَّبِّكُمْ فَآمِنُواْ خَيْراً لَّكُمْ وَإِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ للَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً
١٧٠
-النساء

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ إِلاَّ طَرِيقَ جَهَنَّمَ } لعدم استعدادِهم للهداية إلى الحق والأعمالِ الصالحةِ التي هي طريقُ الجنةِ، والمرادُ بالهداية المفهومةِ من الاستثناء بطريق الإشارةِ خلقُه تعالى لأعمالهم السيئة المؤديةِ بهم إلى جهنمَ عند صرفِ قدرتِهم واختيارِهم إلى اكتسابها، أو سوقُهم إليها يوم القيامة بواسطة الملائكةِ والطريقُ على عمومه، والاستثناءُ متصل، وقيل: خاصٌّ بطريق الحقِّ والاستثناءُ منقطع { خَـٰلِدِينَ فِيهَا } حالٌ مقدرةٌ من الضمير المنصوب والعاملُ فيها ما دل عليه الاستثناءُ دلالةً واضحةً كأنه قيل: يُدخلهم جهنمَ خالدين فيها الخ، وقوله تعالى: { أَبَدًا } نصبٌ على الظرفية رافعٌ لاحتمال حملِ الخلودِ على المكث الطويل { وَكَانَ ذٰلِكَ } أي جعلهم خالدين في جهنم { عَلَى ٱللَّهِ يَسِيراً } لاستحالة أن يتعذّر عليه شيءٌ من مراداته تعالى.

{ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ } بعد ما حكَى لرسول الله صلى الله عليه وسلم تعللَ اليهودِ بالأباطيل واقتراحَهم الباطلَ تعنتاً وردّ عليهم ذلك بتحقيق نبوتِه عليه الصلاة والسلام وتقريرِ رسالتِه ببـيان أن شأنَه عليه الصلاة والسلام في أمر الوحي والإرسالِ كشؤون من يعترفون بنبوته من مشاهير الأنبـياءِ عليهم السلام وأكد ذلك بشهادته سبحانه وشهادةِ الملائكة ــ أمرَ المكلّفين كافةً على طريق تلوينِ الخطابِ بالإيمان بذلك أمراً مشفوعاً بالوعد بالإجابة، والوعيدِ على الرد تنبـيهاً على أن الحجةَ قد لزِمَت ولم يبقَ بعد ذلك لأحد عذرٌ في عدم القَبول، وقولُه عز وجل: { قَدْ جَاءكُمُ ٱلرَّسُولُ بِٱلْحَقّ مِن رَّبّكُمْ } تكريرٌ للشهادة وتقريرٌ لحقية المشهودِ به وتمهيدٌ لما يعقُبه من الأمر بالإيمانِ، وإيرادُه عليه الصلاة والسلام بعنوان الرسالةِ لتأكيد وجوبِ طاعتِه، والمرادُ بالحق هو القرآنُ الكريمُ، والباء متعلقةٌ بجاءكم فهي للتعدية أو بمحذوف وقع حالاً من الرسول أي ملتبساً بالحق، ومِنْ أيضاً متعلقةٌ إما بالفعل وإما بمحذوف هو حالٌ من الحق، أي جاءكم به من عنده تعالى أو جاءكم بالحق كائناً من عنده تعالى، والتعرُّضُ لعنوان الربوبـيةِ مع الإضافة إلى ضمير المخاطَبـين للإيذان بأن ذلك لتربـيتهم وتبليغِهم إلى كمالهم اللائقِ بهم ترغيباً لهم في الامتثال بما بعده من الأمر، والفاء في قوله عز وجل: { فَـآمِنُواْ } للدِلالة على إيجاب ما قبلها لما بعدها أي فآمنوا به وبما جاء به من الحق، وقولُه تعالى: { خَيْراً لَّكُمْ } منصوبٌ على أنه مفعولٌ لفعل واجبِ الإضمار كما هو رأيُ الخليل وسيبويهِ، أي اقصِدوا أو ائتوا أمراً خيراً لكم مما أنتم فيه من الكفر، أو على أنه نعت لمصدر محذوف كما هو رأي الفراء أي آمنوا إيماناً خيراً لكم أو على أنه خبر كان المضمرةِ الواقعةِ جواباً للأمر لا جزاءً للشرط الصناعيّ وهو رأيُ الكسائي وأبـي عبـيدةَ أي يكنِ الإيمانُ خيراً لكم { وَإِن تَكْفُرُواْ } أي أن تُصِرُّوا وتستمروا على الكفر به { فَإِنَّ للَّهِ مَا فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ } من الموجودات سواء كانت داخلةً في حقيقتهما ــ وبذلك يُعلم حالُ أنفسِهما على أبلغ وجهٍ وآكَدِه ــ أو خارجةً عنهما مستقرةً فيهما من العقلاء وغيرِهم فيدخلُ في جملتهم المخاطَبون دخولاً أولياً، أي كلُّها له عز وجل خلقاً ومُلكاً وتصرفاً لا يخرُج من ملكوته وقهرِه شيءٌ منها. فمَنْ هذا شأنُه فهو قادرٌ على تعذيبكم بكفركم لا محالة أو فمن كان كذلك فهو غنيٌّ عنكم وعن غيركم لا يتضرّر بكفركم ولا ينتفع بإيمانكم، وقيل: فمَنْ كان كذلك فله عبـيدٌ يعبُدونه وينقادون لأمره { وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيماً } مبالِغاً في العلم فهو عالمٌ بأحوال الكلِّ فيدخُل في ذلك علمُه تعالى بكفرهم دخولاً أولياً { حَكِيماً } مراعياً للحِكمة في جميع أفعالِه التي من جملتها تعذيبُه تعالى إياهم بكفرهم.