التفاسير

< >
عرض

ٱلَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَآ آتَاهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُّهِيناً
٣٧
وَٱلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَـآءَ ٱلنَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَلاَ بِٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَمَن يَكُنِ ٱلشَّيْطَانُ لَهُ قَرِيناً فَسَآءَ قِرِيناً
٣٨
-النساء

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلْبُخْلِ } بضم الباءِ وسكون الخاءِ وقرىء بفتح الأولِ وبفتحهما وبضمِّهما، والموصولُ بدلٌ من قوله تعالى: { مَن كَانَ } أو نصبٌ على الذم أو رفعٌ عليه أي هم الذين أو مبتدأٌ خبرُه محذوفٌ تقديرُه الذين يبخلون ويفعلون ويصنعون أحقّاءُ بكل مَلامةٍ { وَيَكْتُمُونَ مَا ءاتَـٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ } أي من المال والغِنى، أو من نعوته عليه السلام التي بـيّنها لهم في التوراة وهو أنسبُ بأمرهم للناس بالبخل، فإن أحبارَهم كانوا يكتُمونها ويأمرون أعقابَهم بكتمها { وَأَعْتَدْنَا لِلْكَـٰفِرِينَ عَذَاباً مُّهِيناً } وُضع الظاهرُ موضعَ المُضمرِ إشعاراً بأن مَنْ هذا شأنُه فهو كافرٌ بنعمة الله تعالى ومن كان كافراً بنعمة الله تعالى فله عذابٌ يُهينُه كما أهان النعمةَ بالبخل والإخفاءِ، والآيةُ نزلت في طائفة من اليهود كانوا يقولون للأنصار بطريق النصيحةِ: لا تُنفِقوا أموالَكم فإنا نخشى عليكم الفقرَ، وقيل: في الذين كتموا نعتَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، والجملةُ اعتراضٌ تذيـيليٌّ مقرِّرٌ لما قبلها.

{ وَٱلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوٰلَهُمْ رِئَـاء ٱلنَّاسِ } أي للفَخار وليقالَ: ما أسخاهم وما أجْودَهم لا ابتغاءَ وجهِ الله تعالى، وهو عطفٌ على الذين يبخلون أو على الكافرين وإنما شاركوهم في الذم والوعيدِ لأن البخل والسَّرَفَ الذي هو الإنفاقُ فيما لا ينبغي من حيث إنهما طرفا تفريطٍ وإفراطٍ سواءٌ في القُبح واستتباعِ اللائمةِ والذمِّ، ويجوز أن يكون العطفُ بناءً على إجراء التغايُرِ الوصفيِّ مُجرى التغايُرِ الذاتي كما في قوله: [المتقارب]

إلى الملك القَرْمِ وابنِ الهُماموليثِ الكتائبِ في المزْدَحَمْ

أو مبتدأٌ خبرُه محذوفٌ يدل عليه قوله تعالى: { وَمَن يَكُنِ } الخ، كأنه قيل: والذين ينفقون أموالَهم رثاءَ الناسِ { وَلاَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَلاَ بِٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ } ليتحرَّوْا بالإنفاق مراضِيَه تعالى وثوابَه وهم مشركو مكةَ المنفقون أموالَهم في عداوة رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وقيل: المنافقون { وَمَن يَكُنِ ٱلشَّيْطَـٰنُ لَهُ قَرِيناً فَسَاء قِرِيناً } أي فقرينُهم الشيطانُ وإنما حُذف للإيذان بظهوره واستغنائِه عن التصريح به، والمرادُ به إبليسُ وأعوانُه حيث حَمَلوهم على تلك القبائحِ وزيَّنوها لهم كما في قوله تعالى: { إِنَّ ٱلْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوٰنَ ٱلشَّيَـٰطِينِ } [الإسراء، الآية 27] ويجوز أن يكون وعيداً لهم بأن الشيطانَ يُقرَنُ بهم في النار.