التفاسير

< >
عرض

أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ لَعَنَهُمُ ٱللَّهُ وَمَن يَلْعَنِ ٱللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصِيراً
٥٢
أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّنَ ٱلْمُلْكِ فَإِذاً لاَّ يُؤْتُونَ ٱلنَّاسَ نَقِيراً
٥٣
-النساء

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ أُوْلَـٰئِكَ } إشارةٌ إلى القائلين، وما فيه من معنى البُعْد مع قربهم في الذكر للإشعار ببُعد منزلتِهم في الضلال، وهو مبتدأٌ خبرُه قولُه تعالى: { ٱلَّذِينَ لَعَنَهُمُ ٱللَّهُ } أي أبعدهم عن رحمته وطردهم، والجملةُ مستأنفةٌ لبـيان حالِهم وإظهارِ مصيرِهم ومآلِهم { وَمَن يَلْعَنِ ٱللَّهُ } أي يُبعده عن رحمته { فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصِيراً } يدفع عنه العذابَ دنيوياً كان أو أخروياً لا بشفاعة ولا بغيرها، وفيه تنصيصٌ على حِرمانهم مما طلبوا من قريش، وفي كلمة لن وتوجيهِ الخطابِ إلى كل أحد ممن يتسنى له الخطابُ وتوحيدِ النصيرِ مُنكّراً والتعبـيرِ عن عدمه بعدم الوُجدانِ المُنْبىءِ عن سبق الطلبِ مُسنداً إلى المخاطبَ العامِّ من الدِلالة على حِرمانهم الأبديِّ بالكلية ما لا يخفى.

{ أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مّنَ ٱلْمُلْكِ } شروعٌ في تفصيل بعضٍ آخرَ من قبائحهم، وأمْ منقطعةٌ وما فيها من بل للإضراب والانتقالِ من ذمهم بتزكيتهم أنفسَهم وغيرِها مما حُكي عنهم إلى ذمهم بادّعائهم نصيباً من الملك وبُخلِهم المفرِطِ وشحِّهم البالغِ، والهمزةُ لإنكار أن يكون لهم ما يدّعونه وإبطالِ ما زعموا أن المُلك سيصير إليهم، وقولُه تعالى: { فَإذاَ لاَّ يُؤْتُونَ ٱلنَّاسَ نَقِيراً } بـيانٌ لعدم استحقاقِهم له بل لاستحقاقهم الحِرمانَ منه بسبب أنهم من البخل والدناءةِ بحيث لو أوتوا شيئاً من ذلك لما أعطَوا الناسَ منه أقلَّ قليلٍ، ومن حق مَنْ أوتي المُلكَ أن يُؤثِرَ الغيرَ بشيء منه، فالفاءُ للسببـية الجزائيةِ لشرط محذوفٍ، أي إن جُعل لهم نصيبٌ منه فإذن لا يؤتون الناسَ مقدارَ نقيرٍ وهو ما في ظهر النواة من النُقرة، يُضرب به المثلُ في القِلة والحقارةِ، وهذا هو البـيانُ الكاشفُ عن كُنه حالِهم، وإذا كان شأنُهم كذلك وهم مُلوكٌ فما ظنُّك بهم وهم أذلاءُ متفاقرون.

ويجوز أن لا تكون الهمزةُ لإنكار الوقوعِ بل لإنكار الواقعِ والتوبـيخِ عليه، أي لعدِّه مُنكراً غيرَ لائقٍ بالوقوع، على أن الفاءَ للعطف، والإنكارُ متوجهٌ إلى مجموع المعطوفَين على معنى ألهمْ نصيبٌ وافرٌ من الملك حيث كانوا أصحابَ أموالٍ وبساتينَ وقصورٍ مَشيدةٍ كالملوك فلا يؤتون الناسَ مع ذلك نقيراً كما تقول لغنيَ لا يراعي أباه: ألك هذا القدرُ من المال فلا تُنفقُ على أبـيك شيئاً؟ وفائدةُ إذن تأكيدُ الإنكارِ والتوبـيخِ حيث يجعلون ثبوتَ النصيبِ سبباً للمنع مع كونِه سبباً للإعطاء، وهي مُلغاةٌ عن العمل كأنه قيل: فلا يؤتون الناسَ إذن، وقرىء فإذن لا يُؤتوا بالنصب على إعمالها.