التفاسير

< >
عرض

رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ ٱلَّتِي وَعَدْتَّهُمْ وَمَن صَـلَحَ مِنْ آبَآئِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ
٨
وَقِهِمُ ٱلسَّيِّئَاتِ وَمَن تَقِ ٱلسَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ
٩
إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ ٱللَّهِ أَكْبَرُ مِن مَّقْتِكُمْ أَنفُسَكُـمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى ٱلإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ
١٠
-غافر

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ } عطفٌ عَلى قِهِمْ وتوسيطُ النداءِ بـينَهما للبمالغةِ في الجؤارِ { جَنَّـٰتِ عَدْنٍ ٱلَّتِى وَعَدْتَّهُمْ } أيْ وعَدَتهم إيَّاهَا وقُرِىءَ جَنَّةَ عَدْنٍ { وَمَنْ صَلَحَ مِنْ ءابَائِهِمْ وَأَزْوٰجِهِمْ وَذُرّيَّاتِهِمْ } أيْ صلاحاً مصحَّحاً لدخولِ الجنةِ في الجملةِ وإنْ كانَ دونَ صلاحِ أصولِهم وهُوَ عطفٌ على الضميرِ الأولِ أيْ وأدخلها معهم هؤلاء ليتم سرورهم ويتضاعفُ ابتهاجُهم أوْ عَلى الثانِي لكنْ لا بناءً عَلى الوعدِ العام للكلِّ كما قيل إذ لا يبقى حينئذ للعطف وجه بل بناء على الوعد الخاصِّ بهمْ بقولِه تعالَى: { { أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرّيَّتَهُمْ } [سورة الطور: الآية 21] بأنْ يكونُوا أعلى درجةً منْ ذريتِهم قالَ سعيدُ بنُ جُبـيرٍ: يدخلُ المؤمنُ الجنةَ فيقولُ أينَ أبـي أينَ ولدي أينَ زَوْجي فيقالُ إِنَّهم لمْ يعملُوا مثلَ عملكَ فيقولُ إني كنتُ أعملُ لي ولهُم فيقالُ أَدخلوهم الجنةَ. وسبقُ الوعدِ بالإدخالِ والإلحاقِ لاَ يستدعي حصولَ الموعودِ بلا توسطِ شفاعةٍ واستغفارٍ وعليهِ مَبْنى قولِ منْ قالَ فائدةُ الاستغفارِ زيادةُ الكرامةِ والثوابِ والأولُ هو الأَولى لأنَّ الدعاءَ بالإدخالِ فيه صريحٌ وفي الثاني ضمنيٌّ وقُرىءَ صَلُح بالضَّمِ وذرّيتِهمُ بالإفرادِ { إِنَّكَ أَنتَ ٱلعَزِيزُ } أي الغالبُ الذَّي لاَ يمتنعُ عليه مَقْدورٌ { ٱلْحَكِيمُ } أي الذي لا يفعلُ إلاَّ ما تقتضيهِ الحكمةُ الباهرةُ مَن الأمورِ التي منْ جُمْلتها إنجازُ الوعدِ فالجملةُ تعليلٌ لما قَبْلها.

{ وَقِهِمُ ٱلسَّيّئَـٰتِ } أي العقوباتِ لأَنَّ جزاءَ السيئةِ سيئةٌ مثلُهَا أو جزاءَ السيئاتِ عَلَى حذْفِ المُضافِ وَهُوَ تعميمٌ بعدَ تخصيصٍ أوْ مخصوصٌ بالأتْباعِ أو المعاصي في الدُّنيا فمعنى قولِه تعالَى { وَمَن تَقِ ٱلسَّيّئَـٰتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ }: ومن تقه المعاصي في الدنيا فقد رحمته فِي الآخرةِ كأنَّهم طلَبوا لهُمْ السببَ بعدَ مَا سألُوا المُسبَّبَ { وَذَلِكَ }إشارةٌ إلى الرحمةِ المفهومةِ من (رَحْمتَه) أوْ إليَها وإِلى الوقايةِ وَمَا فيه منْ مَعْنى البُعدِ لما مَرَّ مِراراً منَ الإشعارِ ببُعْدِ درجةِ المُشارِ إليهِ { هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } الذِي لاَ مطمعَ وَرَاءَهُ لطامعٍ.

{ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } شروعٌ في بـيانِ أحوالِ الكفرة بعدَ دخولِهم النَّارَ بعدَ ما بـينَ فيما سبقَ أنهُمْ أصحابُ النارِ { يُنَادَوْنَ } أيْ مِنْ مكانٍ بعيدٍ وهُمْ في النارِ وقَدْ مقتُوا أنفسَهُم الأمَّارةَ بالسُّوءِ التي وقعُوا فيمَا وقعُوا باتباعِ هَوَاهَا أوْ مقَتَ بعضُهم بعضاً من الأحبابِ كقولِه تَعَالَى: { { يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً } [سورة العنكبوت: الآية 25] أيْ أبغضوهَا أشدَّ البغضِ وَأنكروهَا أبلغَ الإنكارِ وَأظهرُوا ذلكَ على رؤوسِ الأشهادِ فيقالُ لهم عندَ ذلكَ { لَمَقْتُ ٱللَّهِ أَكْبَرُ مِن مَّقْتِكُمْ أَنفُسَكُـمْ } أيْ لمقتُ الله أنفسَكُم الأمَّارةَ بالسوءِ أوُ مقتُه إِيَّاكم في الدُّنيا { إِذْ تَدْعُونَ } منْ جهةِ الأنبـياءِ { إِلَى ٱلإِيمَـٰنِ } فتأبَوْنَ قَبولَهُ { فَتَكْفُرُونَ } اتّباعاً لأنفسكمْ الأمَّارةِ ومسارعةً إِلى هَوَاها أوِ اقتداءً بِأَخِلاَّئِكُم المضلينَ واستحباباً لآرائِهم أكبرُ منْ مقتِكم أنفسَكُم الأمارةَ بالسوءِ أوْ مِنْ مقتِ بعضِكم بعضاً اليومَ فإذ ظرفٌ للمقتِ الأولِ وإنْ توسطَ بـينَهما الخبرُ لما فِي الظروفِ من الاتساعِ وقيل: لمصدرٍ آخرَ مقدرٍ أيْ مقتُه إيَّاكم إذْ تدعونَ وقيلَ: مفعولٌ لأذكرُوا والأولُ هو الوجْه وقيلَ: كلا المقتينِ في الآخرةِ وإذْ تدعَونَ تعليلٌ لَما بـينَ الظرفِ والسببِ منْ علاقةِ اللزومِ والمعنى لمقتُ الله إِيَّاكم الآنَ أكبرُ منْ مقتكم أنفسَكم لمَّا كنتمُ تُدعَونَ إِلى الإيمانِ فتكفرونَ، وتخصيصُ هَذَا الوجهِ بصورةِ كونِ المرادِ بأنفسِهم أضرابَهُم مما لاَ دَاعيَ إليهِ.