التفاسير

< >
عرض

فَإِنْ أَعْرَضُواْ فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ
١٣
إِذْ جَآءَتْهُمُ ٱلرُّسُلُ مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ ٱللَّهَ قَالُواْ لَوْ شَآءَ رَبُّنَا لأَنزَلَ مَلاَئِكَةً فَإِنَّا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ
١٤
-فصلت

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ فَإِنْ أَعْرَضُواْ } متصلٌ بقولِه تعالَى: { قُلْ أَئِنَّكُمْ } [سورة السجدة: الآية 9] الخ أي فإنْ أعرضُوا عن التدبرِ فيما ذُكِرَ من عظائمِ الأمورِ الداعيةِ إلى الإيمانِ أو عن الإيمانِ بعد هذا البـيانِ { فَقُلْ } لهم { أَنذَرْتُكُمْ } أي أنذركُم وصيغةُ الماضِي للدلالةِ على تحقيقِ الإندارِ المنبـىءِ عن تحقيقِ المنذَرِ به { صَـٰعِقَةُ } أي عذاباً هائلاً شديدَ الوقع كأنه صاعقةٌ { مّثْلَ صَـٰعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ } وقُرِىءَ صعقةً مثلَ صعقةِ عادٍ وثمودٍ وهي المرةُ من الصعْقِ أو الصَّعَقُ يقالَ صعقتْهُ الصاعقةُ صعْقاً فصَعِقَ صعْقاً وهو من باب فعلته فَفَعِلَ { إِذْ جَاءتْهُمُ ٱلرُّسُلُ } حَالٌ منْ صَاعقةِ عادٍ ولا سَدادَ لجعلِه ظرفاً لأنذرتكُم أو صفةً لصاعقةً لفسادِ المَعنْى وأما جعلُه صفةً لصاعقةِ عادٍ أي الكائنةِ إذْ جاءتهُم ففيهِ حذفُ الموصولِ مع بعضِ صلتِه { مّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ } متعلقٌ بجاءتْهم أي من جميعِ جوانبِهم واجتهدُوا بهم من كلِّ جهةٍ أو من جهةِ الزمانِ الماضِي بالإنذارِ عما جَرى فيهِ على الكفارِ ومن جهةِ المستقبل بالتحذيرِ عما سيحيقُ بهم من عذابِ الدُّنيا وعذابِ الآخرةِ وقيلَ المَعْنى جاءتْهم الرسلُ المتقدمونَ وَالمتأخرونَ على تنزيلِ مجيءِ كلامِهم ودعوتِهم إلى الحقِّ منزلةَ مجيءِ أنفسِهم فإنَّ هُوداً وصَالحاً كانا داعيـينِ لهُم إلى الإيمانِ بهما ويجميعِ الرسلِ ممن جاءَ من بـينِ أيديِهم أي من قبلِهم وممن يجيءُ من خلفِهم أي من بعدِهم فكأنَّ الرسلَ قد جاءُوهم وخاطبُوهم بقولِه تعالى: { أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ ٱللَّهَ } أي بأنْ لا تعبدُوا على أَنَّ أنْ مصدريةٌ أو أن لا تعبدُوا على أنَّها مفسرةٌ { قَالُواْ لَوْ شَاء رَبُّنَا } أي إرسالَ الرسلِ لا إنزالَ الملائكةِ كما قيل فإنه عارٍ عن إفادةِ ما أرادُوه منْ نفي رسالةِ البشرِ وقد مرَّ فيما سلفَ { لأَنزَلَ مَلَـٰئِكَةً } أي لأرسلَهُم لكنْ لما كانَ إرسالُهم بطريقِ الإنزالِ قيل لأنزلَ { فَإِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ } أي على زعمِكم وفيه ضربُ تهكمٍ بهم { كَـٰفِرُونَ } لِما أنَّكم بشرٌ مثلُنا من غيرِ فضلٍ لكُم علينا. رُوِيَ أنَّ أَبا جهلٍ قالَ في ملأٍ من قُريشٍ: قد التبسَ علينا أمرُ محمدٍ فلو التمستُم لنا رجلاً عالماً بالشعرِ والكهانةِ والسحرِ فكلَّمه ثم أتانَا ببـيانٍ من أمرِه فقالَ عتبةُ بنُ ربـيعةَ والله لقد سمعتُ الشعرَ والكهانةَ والسحرَ وعلمتُ من ذلكَ علماً وما يَخْفي عليَّ فأَتاهُ فقالَ أنتَ يا محمدُ خيرٌ أَمْ هاشمٌ أنتَ خيرٌ أمْ عبدُ المطلبِ أنت خيرٌ أم عبدُ اللَّهِ فيمَ تشتمُ آلهتَنا وتضللنَا فإنْ كنتَ تريدُ الرياسةَ عقدنَا لكَ اللواءَ فكنتَ رئيساً وإن تكُ بكَ الباءةُ زوجناكَ عشرَ نسوةٍ تختارهُنَّ أيَّ بناتِ قريشٍ شئتَ وإنْ كانَ بكَ المالُ جمعنَا لكَ ما تستغِني ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم ساكتٌ فلما فرغَ عتبةُ قالَ عليه الصلاةُ والسلامُ: "بسم الله الرحمٰنِ الرحيمِ حم" إلى قولِه تعالى: { { مّثْلَ صَـٰعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ } [سورة فصلت: الآية 13] فأمسكَ عتبةُ على فيهِ عليه الصلاةُ والسلامُ وناشدَهُ بالرحمَ ورجعَ إلى أهلِه ولم يخرجْ إلى قريشٍ فلما احتبسَ عنْهُم قالُوا ما نَرى عتبةَ إلا قدْ صبأَ فانطلقُوا إليه وقالُوا يا عتبةُ ماحبسكَ عَنَّا إلا أنكَ قد صبأتَ فغضبَ ثم قال والله لقد كلَّمتُه فأجابني بشيءٍ والله ما هو بشعرٍ ولا كهانةٍ ولا سحرٍ ولما بلغَ صاعقةَ عادٍ وثمودَ أمسكتُ بفيِه وناشدتُه بالرحم أنْ يكفَّ وقد علمتُم أن محمداً إذا قالَ شيئاً لم يكذبْ فخفتُ أن ينزلَ بكُم العذابُ.