التفاسير

< >
عرض

قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً وَٱللَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ
٧٦
قُلْ يَـٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ غَيْرَ ٱلْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعُوۤاْ أَهْوَآءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ وَأَضَلُّواْ كَثِيراً وَضَلُّواْ عَن سَوَآءِ ٱلسَّبِيلِ
٧٧
-المائدة

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ قُلْ } أمر عليه الصلاة والسلام بإلزامهم وتبكيتِهم إثْرَ تعجيبه من أحوالهم { أَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ } أي متجاوزين إياه، وتقديمه على قوله تعالى: { مَا لاَ يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً } لما مر مراراً من الاهتمام بالمقدم والتشويق إلى المؤخر، والموصول عبارةٌ عن عيسى عليه السلام، وإيثاره على كلمة مَنْ لتحقيق ما هو المراد من كونه بمعزلٍ من الألوهية رأساً، ببـيان انتظامه عليه السلام في سلك الأشياء التي لا قدرة لها على شيء أصلاً، وهو عليه السلام وإن كان يملك ذلك بتمليكه تعالى إياه لكنه لا يملِكه من ذاته، ولا يملك مثل ما يُضِرُّ به الله تعالى من البلايا والمصائب، وما ينفع به من الصِّحة. وتقديم الضرر على النفع لأن التحرز عنه أهمُ من تحرّي النفع، ولأن أدنى درجات التأثير دفع الشر، ثم جلب الخير. وقوله تعالى: { وَٱللَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ } حال من فاعل (أتعبدون) مؤكِّد للإنكار والتوبـيخ، ومقرِّر للإلزام والتبكيت، والرابط هو الواو أي أتشركون بالله تعالى ما لا يقدر على شيء من ضُرِّكم ونفعكم، والحال أن الله تعالى هو المختص بالإحاطة التامة بجميع المسموعات والمعلومات التي من جملتها ما أنتم عليه من الأقوال الباطلة، والعقائد الزائغة، والأعمال السيئة، وبالقدرة الباهرة على جميع المقدورات التي من جملتها مَضارُّكم ومنافعُكم في الدنيا والآخرة؟

{ قُلْ يٰأَهْلَ ٱلْكِتَـٰبِ } تلوينٌ للخطاب وتوجيهٌ له إلى فريقي أهل الكتاب، بطريق الالتفات على لسان النبـي عليه الصلاة والسلام بعد إبطال مسلك كل منهما، للمبالغة في زجرهم عما سلكوه من المسلك الباطل، وإرشادهم إلى الأَمَم المِئْتاء { لاَ تَغْلُواْ فِى دِينِكُمْ } أي لا تتجاوزوا الحد، وهو نهي للنصارى عن رفع عيسى عن رتبة الرسالة إلى ما تقوَّلوا في حقه من العظيمة، ولليهود عن وضعهم له عليه السلام عن رتبته العلية إلى ما تقوَّلوا عليه من الكلمة الشنعاء، وقيل: هو خاص بالنصارى كما في سورة النساء فذكَرَهم بعنوان أهلية الكتاب لتذكير أن الإنجيل أيضاً ينهاهم عن الغلو، وقوله تعالى: { غَيْرَ ٱلْحَقّ } نُصب على أنه نعتٌ لمصدر محذوف أي لا تغلوا في دينكم غلواً غيرَ الحق، أي غلواً باطلاً، أو حالٌ من ضمير الفاعل أي لا تغلوا مجاوزين الحق، أو من دينكم أي لا تغلوا في دينكم حال كونه باطلاً، وقيل: نُصب على الاستثناء المتصل، وقيل: على المنقطع { وَلاَ تَتَّبِعُواْ أَهْوَاء قَوْمٍ قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ } هم أسلافهم وأئمتهم الذين ضلوا من الفريقين، أو من النصارى على القولين قبل مبعث النبـي عليه الصلاة والسلام في شريعتهم. { وَأَضَلُّواْ كَثِيراً } أي قوماً كثيراً ممن شايعهم في الزيغ والضلال، أو إضلالاً كثيراً، والمفعولُ محذوف { وَضَلُّواْ } عند بعثةِ النبـي عليه الصلاة والسلام وتوضيحِ مَحَجّةِ الحق وتبـيـين مناهجِ الإسلام { عَن سَوَاء ٱلسَّبِيلِ } حين كذّبوه وحسدوه وبغَوْا عليه، وقيل: الأول إشارة إلى ضلالهم عن مقتضىٰ العقل والثاني إلى ضلالِهم عما جاء به الشرع.