التفاسير

< >
عرض

إِنَّ ٱللَّهَ فَالِقُ ٱلْحَبِّ وَٱلنَّوَىٰ يُخْرِجُ ٱلْحَيَّ مِنَ ٱلْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ ٱلْمَيِّتِ مِنَ ٱلْحَيِّ ذٰلِكُمُ ٱللَّهُ فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ
٩٥
فَالِقُ ٱلإِصْبَاحِ وَجَعَلَ ٱلْلَّيْلَ سَكَناً وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ حُسْبَاناً ذٰلِكَ تَقْدِيرُ ٱلْعَزِيزِ ٱلْعَلِيمِ
٩٦
-الأنعام

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ إِِنَّ ٱللَّهَ فَالِقُ ٱلْحَبّ وَٱلنَّوَىٰ } شروعٌ في تقرير بعضِ أفاعيلِه تعالى الدالةِ على كمال علمِه وقدرته ولطفِ صُنعِه وحِكمتِه إثرَ تقريرِ أدلةِ التوحيد، والفَلْقُ الشَقُّ بإبانةٍ، أي شاقُّ الحبِّ بالنبات والنوىٰ بالشجر، وقيل: المرادُ به الشِقُّ الذي في الحبوب والنَّوى، أي خالقُهما كذلك كما في قولك: ضَيِّقْ فمَ الرَّكِيةِ ووسِّعْ أسفلَها، وقيل: الفلْقُ بمعنى الخلق، قال الواحدي: ذهبوا بفالقُ مذهبَ فاطر { يُخْرِجُ ٱلْحَىَّ مِنَ ٱلْمَيّتِ } أي يُخرج ما ينمو من النطفة والحبِّ، والجملةُ مستأنفة مبـينةٌ لما قبلها وقيل: خبرٌ ثانٍ لأن قوله تعالى: { وَمُخْرِجُ ٱلْمَيّتِ } كالنطفة والحب { مِنَ ٱلْحَىّ } كالحيوان والنبات، عطفٌ على (فالقُ الحب) لا على (يُخرج) على الوجه الأول لأن إخراج الميِّتِ من الحيِّ ليس من قبـيل فلقِ الحب والنوى { ذٰلِكُمْ } القادرُ العظيمُ الشأنِ هو { ٱللَّهُ } المستحِقّ للعبادة وحده { فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ } فكيف تُصرَفون عن عبادته إلى غيره ولا سبـيل إليه أصلاً.

{ فَالِقُ ٱلإِصْبَاحِ } خبرٌ آخَرُ لإن، أو لمبتدإٍ محذوفٍ والإصباحُ مصدرٌ سمِّي به الصبحُ وقرىء بفتح الهمزة على أنه جمعُ صُبْح أي فالقُ عمودِ الفجر عن بـياضِ النهار وإسفارِه، أو فالق ظلمةِ الإصباحِ وهي الغَبَشُ الذي يلي الصبحَ وقرىء (فالقَ) بالنصب على المدح { وَجَعَلَ ٱلَّيْلَ سَكَناً } يسكُن إليه التعِبُ بالنهار لاستراحته فيه من سَكَن إليه إذا اطمأن إليه استئناساً به أو يسكن فيه الخلقُ من قوله تعالى: { { لِتَسْكُنُواْ فِيهِ } [يونس، الآية 67] وقرىء (جاعلُ الليل) فانتصابُ (سكناً) بفعل دل عليه جاعل وقيل: بنفسه على أن المرادَ به الجعلُ المستمرُّ في الأزمنة المتجددة حسَب تجدّدِها لا الجعلُ الماضي فقط وقيل: اسمُ الفاعل من الفعل المتعدِّي إلى اثنين يعمل في الثاني وإن كان بمعنى الماضي لأنه لما أُضيف إلى الأول تعيّن نصبُه للثاني لتعذّر الإضافة بعد ذلك { وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ } معطوفان على الليل وعلى القراءة الأخيرة قيل: هما معطوفان على محله والأحسنُ نصبُهما حينئذ بفعل مقدرٍ وقد قُرئا بالجرِّ وبالرفعِ أيضاً على الابتداء والخبرُ محذوفٌ أي مجعولان { حُسْبَاناً } أي على أدوار مختلفة يُحسبُ بها الأوقاتُ التي نيط بها العباداتُ والمعاملاتُ أو محسوبان حُسباناً، والحُسبانُ بالضم مصدرُ حسَب كما أن الحسابَ بالكسر مصدر حسَب { ذٰلِكَ } إشارة إلى جعلهما كذلك وما فيه من معنى البعد للإيذان بعلوِّ رتبةِ المُشار إليه وبُعْدِ منزلتِه أي ذلك التسيـيرُ البديع { تَقْدِيرُ ٱلْعَزِيزِ } الغالب القاهرِ الذي لا يستعصي عليه شيءٌ من الأشياء التي من جملتها تسيـيرُهما على الوجه المخصوص { ٱلْعَلِيمِ } بجميع المعلومات التي من جملتها ما في ذلك التسيـيرِ من المنافعِ والمصالحِ المتعلقةِ بمعاش الخلق ومَعادِهم.