التفاسير

< >
عرض

فَلَماَّ كَشَفْنَا عَنْهُمُ ٱلرِّجْزَ إِلَىٰ أَجَلٍ هُم بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ
١٣٥
فَٱنْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي ٱلْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ
١٣٦
وَأَوْرَثْنَا ٱلْقَوْمَ ٱلَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ ٱلأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا ٱلَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ ٱلْحُسْنَىٰ عَلَىٰ بَنِيۤ إِسْرَآئِيلَ بِمَا صَبَرُواْ وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُواْ يَعْرِشُونَ
١٣٧
-الأعراف

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ ٱلرّجْزَ إِلَىٰ أَجَلٍ هُم بَـٰلِغُوهُ } أي إلى حد من الزمان هم بالغوه فمعذَّبون بعده أو مُهلَكون { إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ } جوابُ لمّا أي فلما كشفنا عنهم فاجأوا النّكْثَ من غير تأمل وتوقف { فَٱنتَقَمْنَا مِنْهُمْ } أي فأردنا أن ننتقم منهم لِما أسلفوا من المعاصي والجرائم، فإن قوله تعالى: { فَأَغْرَقْنَـٰهُمْ } عينُ الانتقام منهم فلا يصح دخولُ الفاء بـينهم ويجوزُ أن يكون المرادُ مطلقَ الانتقام منهم والفاءُ تفسيرية كما في قوله تعالى: { { وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبّ } [هود, الآية 45] الخ { فِي ٱلْيَمّ } في البحر الذي لا يُدرك قعرُه وقيل: في لُجّته { بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِين } تعليلٌ للإغراق أي كان إغراقُهم بسبب تكذيبِهم بآياتِ الله تعالى وإعراضِهم عنها وعدمِ تفكرِهم فيها بحيث صاروا كالغافلين عنها بالكلية، والفاءُ وإن دلت على ترتب الإغراقِ على ما قبله من النكْثِ لكنه صرّح بالتعليل إيذاناً بأن مدارَ جميعِ ذلك تكذيبُ آياتِ الله تعالى والإعراضُ عنها ليكون ذلك مَزْجرةً للسامعين عن تكذيب الآياتِ الظاهرةِ على يد رسولِ الله صلى الله عليه وسلم والإعراضِ عنها.

{ وَأَوْرَثْنَا ٱلْقَوْمَ ٱلَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ } أي بالاستبعاد وذبحِ الأبناءِ، والجمعُ بـين صيغتي الماضي والمستقبلِ للدِلالة على استمرار الاستضعافِ وتجدّدِه وهم بنو إسرائيلَ ذُكروا بهذا العُنوانِ إظهاراً لكمال لُطفِه تعالى بهم وعظيمِ إحسانِه إليهم في رفعهم من حضيض المذلةِ إلى أوْج العزة { مَشَـٰرِقَ ٱلأَرْضِ وَمَغَـٰرِبَهَا } أي جانبـيها الشرقيَّ والغربـيَّ حيث ملَكها بنو إسرائيلَ بعد الفراعنةِ والعمالقةِ وتصرّفوا في أكنافها الشرقيةِ والغربـية كيف شاؤوا، وقوله تعالى: { ٱلَّتِى بَارَكْنَا فِيهَا } أي بالخِصْب وسَعةِ الأرزاقِ، صفةٌ للمشارق والمغارب، وقيل: للأرض وفيه ضعفٌ للفصل بـين الصفةِ والموصوفِ بالمعطوف كما في قولك: قام أم هند وأبوها العاقلةُ { وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبّكَ ٱلْحُسْنَىٰ } وهي وعدُه تعالى إياهم بالنصر والتمكين كما ينبىء عنه قوله تعالى: { { وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى ٱلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُواْ فِى ٱلأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ ٱلْوَارِثِينَ } [القصص: 5] وقرىء كلماتُ لتعدد المواعيدِ ومعنى تمت مضَت واستمرت { عَلَىٰ بَنِى إِسْرءيلَ بِمَا صَبَرُواْ } أي بسبب صبرِهم على الشدائد التي كابدوها من جهة فرعونَ وقومِه { وَدَمَّرْنَا } أي خرّبنا وأهلكنا { مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ } من العِمارات والقصورِ أي ودمرنا الذي كان فرعونُ يصنعه على أن فرعونَ اسمُ كان ويصنع خبرٌ مقدمٌ والجملة الكونيةُ صلةُ ما والعائدُ محذوفٌ، وقيل: اسمُ كان ضميرٌ عائدٌ إلى ما الموصولةِ ويصنع مُسندٌ إلى فرعون والجملة خبرُ كان والعائدُ محذوف أيضاً والتقدير ودمرنا الذي كان هو يصنعُه فرعونُ الخ، وقيل: كان زائدةٌ وما مصدريةٌ والتقديرُ ما يصنع فرعون الخ، وقيل: كان زائدةٌ كما ذكر وما موصولةٌ اسميةٌ والعائد محذوف تقديره ودمرنا الذي يصنعه فرعون الخ أي صُنعَه، والعدولُ إلى صيغة المضارعِ على هذين القولين لاستحضار الصورة { وَمَا كَانُواْ يَعْرِشُونَ } من الجنات أو ما كانوا يرفعونه من البُنيان كصرح هامانَ وقرىء يعرُشون بضم الراءِ والكسرُ أفصح وهذا آخِرُ قصةِ فرعونَ وقومه.