التفاسير

< >
عرض

قَالَ أَغَيْرَ ٱللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَـٰهاً وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى ٱلْعَالَمِينَ
١٤٠
وَإِذْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِّنْ آلِ فِرْعَونَ يَسُومُونَكُمْ سُوۤءَ ٱلْعَذَابِ يُقَتِّلُونَ أَبْنَآءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَآءَكُمْ وَفِي ذٰلِكُمْ بَلاۤءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ
١٤١
وَوَاعَدْنَا مُوسَىٰ ثَلاَثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَىٰ لأَخِيهِ هَارُونَ ٱخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ ٱلْمُفْسِدِينَ
١٤٢
-الأعراف

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ قَالَ أَغَيْرَ ٱللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَـٰهًا } شروعٌ في بـيانِ شؤونِ الله تعالى الموجبةِ لتخصيص العبادةِ به تعالى بعد بـيانِ أن ما طلبوا عبادتَه مما لا يمكن طلبُه أصلاً لكونه هالكاً باطلاً، ولذلك وسّط بـينهما قال مع كونِ كلَ منهما كلامَ موسى عليه الصلاة والسلام، والاستفهامُ للإنكار والتعجب والتوبـيخِ وإدخالُ الهمزةِ على غير للإيذان بأن المنكَرَ هو كونُ المبْغيِّ غيرَه تعالى لما أنه لاختصاص الإنكار بغيره تعالى دون إنكارِ الاختصاصِ بغيره تعالى، وانتصابُ غير على أنه مفعولُ أبغي بحذف اللام أي أبغي لكم أي أطلب لكم غيرَ الله تعالى، وإلٰهاً تميـيزٌ أو حال أو على الحالية من إلٰهاً وهو المفعولُ لأبغي على أن الأصلَ أبغي لكم إلٰهاً غيرَ الله فغيرَ الله صفةٌ لإلٰهاً فلما قُدّمت صفةُ النكرةِ انتصبت حالاً { وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى ٱلْعَـٰلَمِينَ } أي والحالُ أنه تعالى خصكم بنعمٍ لم يُعطِها غيرَكم، وفيه تنبـيهٌ على ما صنعوا من سوء المعاملةِ حيث قابلوا تخصيصَ الله تعالى إياهم من بـين أمثالِهم بما لم يستحقوه تفضلاً بأن عمَدوا إلى أخسّ شيءٍ من مخلوقاته فجعلوه شريكاً له تعالى. تباً لهم ولما يعبدون.

{ وَإِذَ أَنْجَيْنَـٰكُمْ } تذكيرٌ لهم من جهته سبحانه بنعمة الإنجاءِ من ملَكة فرعون وقرىء نجّينا كم من التنجية، وقرىء أنجاكم فيكون مَسوقاً من جهة موسى عليه الصلاة والسلام أي واذكروا وقت إنجائِنا إياكم { مّنْ ءالِ فِرْعَوْنَ } من ملَكتهم لا بمجرد تخليصِكم من أيديهم وهم على حالهم في المَكِنة والقدرة بل بإهلاكهم بالكلية وقوله تعالى: { يَسُومُونَكُمْ سُوء ٱلْعَذَابِ } من سامه خسفاً أي أولاه إياه أو كلفه إياه، وهو إما استئنافٌ لبـيان ما أنجاهم منه أو حالٌ من المخاطَبـين أو من آل فرعون أو منهما معاً لاشتماله على ضميريهما وقوله تعالى: { يُقَتّلُونَ أَبْنَاءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ } بدلٌ من يسومونكم مُبـين أو مفسّرٌ له { وَفِى ذٰلِكُمْ } الإنجاءِ أو سوءِ العذاب { بَلاءٌ } أي نعمةٌ أو محنة { مّن رَّبّكُمْ } من مالك أمرِكم فإن النعمةَ والنقِمةَ كلتاهما منه سبحانه وتعالى { عظِيمٌ } لا يقادَر قدرُه { وَوٰعَدْنَا مُوسَىٰ ثَلَـٰثِينَ لَيْلَةً } روي أن موسى عليه السلام وعد بني إسرائيلَ وهم بمصرَ إن أهلك الله عدوَّهم أتاهم بكتاب فيه بـيانُ ما يأتون وما يذرون فلما هلك فرعونُ سأل موسى عليه السلام ربه الكتابَ فأمره بصوم ثلاثين يوماً وهو شهرُ ذي القَعدة فلما أتمّ الثلاثين أنكر خُلوفَ فيه فتسوّك فقالت الملائكةُ: كنا نشم من فيك رائحةَ المسك فأفسدته بالسواك، وقيل: أوحىٰ الله تعالى إليه أما علمتَ أن ريحَ فمِ الصائمِ أطيبُ عندي من ريح المِسْك فأمره الله تعالى بأن يزيد عليها عشرةَ أيامٍ من ذي الحِجّة لذلك، وذلك قوله تعالى: { وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ } والتعبـير عنها بالليالي لأنها غُرَرُ الشهور، وقيل: أمره الله تعالى بأن يصوم ثلاثين يوماً وأن يعمل فيها بما يقرّبه من الله تعالى ثم أنزلت عليه التوراةُ في العشر وكلم فيها وقد أُجمل ذكر الأربعين في سورة البقرة وفُصِّل هٰهنا وواعدنا بمعنى وعدْنا وقد قرىء كذلك وقيل: الصيغةُ على بابها بناءً على تنزيل قَبول موسى عليه السلام منزلةَ الوعدِ، وثلاثين مفعولٌ ثانٍ لواعدنا بحذف المضافِ أي إتمامَ ثلاثين ليلةً { فَتَمَّ مِيقَـٰتُ رَبّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً } أي بإلغاء أربعين ليلة { وَقَالَ مُوسَىٰ لأخِيهِ هَـٰرُونَ } حين توجه إلى المناجاة حسبما أُمر به { ٱخْلُفْنِى } أي كن خليفتي { فِى قَوْمِى } وراقِبْهم فيما يأتون وما يذرون { وَأَصْلِحْ } ما يحتاج إلى الإصلاح من أمورهم أو كن مصلحاً { وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ ٱلْمُفْسِدِينَ } أي لا تتبع مَنْ سلك الإفسادَ ولا تُطِعْ من دعاك إليه.