التفاسير

< >
عرض

وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي ٱلْغَيِّ ثُمَّ لاَ يُقْصِرُونَ
٢٠٢
وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قَالُواْ لَوْلاَ ٱجْتَبَيْتَهَا قُلْ إِنَّمَآ أَتَّبِعُ مَا يِوحَىٰ إِلَيَّ مِن رَّبِّي هَـٰذَا بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ
٢٠٣
-الأعراف

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ وَإِخْوٰنِهِمْ } أي إخوانُ الشياطين وهم المنهمِكون في الغي المعرضون عن وقاية أنفسِهم عن المضار { يَمُدُّونَهُمْ فِى ٱلْغَىِّ } أي يكون الشياطين مدداً لهم فيه ويعضدونهم بالتزيـين والحملِ عليه، وقرىء يُمِدّونهم من الإمداد ويُمادّونهم كأنهم يُعينونهم بالتسهيل والإغراء، وهؤلاء بالاتباع والامتثال { ثُمَّ لاَ يُقْصِرُونَ } أي لا يمسكون عن الإغواء حتى يردوهم بالكلية ويجوز أن يكون الضمير للإخوان أي لا يرعون عن الغي ولا يقصرون كالمتقين، ويجوز أن يراد بالإخوان الشياطين ويرجعُ الضميرُ إلى الجاهلين فيكون الخبرُ جارياً على من هو له.

{ وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِم بِـئَايَةٍ } من القرآن عند تراخي الوحي أو بآية مما اقترحوه { قَالُواْ لَوْلاَ ٱجْتَبَيْتَهَا } اجتبىٰ الشيءَ بمعنى جباه لنفسه، أي هلاّ جمعتَها من تلقاء نفسِك تقوّلا، يرون بذلك أن سائرَ الآياتِ أيضاً كذلك أو هلا تلقيتها من ربك استدعاءً { قُلْ } رداً عليهم { إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يِوحَى إِلَىَّ مِن رَّبّى } من غير أن يكون لي دخلٌ ما في ذلك أصلاً على معنى تخصيص حالهِ عليه الصلاة والسلام باتباع ما يوحىٰ إليه بتوجيه للقصر المستفادِ من كلمة إنما إلى نفس الفعلِ بالنسبة إلى مقابله الذي كلفوه إياه عليه الصلاة والسلام لا على معنى تخصيصِ اتباعِه عليه الصلاة والسلام بما يوحىٰ إليه بتوجيه القصرِ إلى المفعول بالقياس إلى مفعول آخرَ كما هو الشائع في موارد الاستعمال وقد مر تحقيقه في قوله تعالى { إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَىٰ إِلَىَّ } [الأنعام: 50, يونس: 15, الأحقاف: 9] كأنه قيل: ما أفعل إلا اتباعَ ما يوحىٰ إلي منه تعالى وفي التعرض لوصف الربوبـيةِ المنبئةِ عن المالكية والتبليغِ إلى الكمال اللائقِ مع الإضافة إلى ضميره عليه الصلاة والسلام من تشريفه عليه الصلاة والسلام والتنبـيهِ على تأيـيده ما لا يخفى { هَـٰذَا } إشارةٌ إلى القرآن الكريم المدلولِ عليه بما يوحىٰ إلي { بَصَائِرُ مِن رَّبّكُمْ } بمنزلة البصائرِ للقلوب بها تُبصِر الحقَّ وتدرك الصواب، وقيل: حججٌ بـينةٌ وبراهينُ نيِّرةٌ. و(من) متعلقةٌ بمحذوف هو صفةٌ لبصائرَ مفيدةٌ لفخامتها أي بصائرُ كائنةٌ منه تعالى، والتعّرضُ لعنوان الربوبـيةِ مع الإضافة إلى ضميرهم لتأكيد وجوبِ الإيمانِ بها وقوله تعالى: { وَهُدًى وَرَحْمَةٌ } عطفٌ على بصائرُ، وتقديمُ الظرفِ عليهما وتعقيبُهما بقوله تعالى: { لّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } للإيذان بأن كونَ القرآنِ بمنزلة البصائرِ للقلوب متحققٌ بالنسبة إلى الكل وبه تقوم الحجة على الجميع، وأما كونُه هدى ورحمةً فمختصٌّ بالمؤمنين به إذ هم المقتبِسون من أنواره والمغتنِمون بآثاره، والجملةُ من تمام القولِ المأمورِ به.