التفاسير

< >
عرض

ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ ٱلسَّيِّئَةِ ٱلْحَسَنَةَ حَتَّىٰ عَفَوْاْ وَّقَالُواْ قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا ٱلضَّرَّآءُ وَٱلسَّرَّآءُ فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ
٩٥
وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ ٱلْقُرَىٰ ءَامَنُواْ وَٱتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَٰتٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ وَلَـٰكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَٰهُمْ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ
٩٦
أَفَأَمِنَ أَهْلُ ٱلْقُرَىٰ أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَٰتاً وَهُمْ نَآئِمُونَ
٩٧
-الأعراف

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

ثُمَّ بَدَّلْنَا } عطفٌ على أخذنا داخلٌ في حكمه { مَكَانَ ٱلسَّيّئَةِ } التي أصابتهم للغاية المذكورةِ { ٱلْحَسَنَةَ } أي أعطيناهم بدلَ ما كانوا فيه من البلاء والمحنةِ الرخاءَ والسعةَ كقوله تعالى: { وَبَلَوْنَـٰهُمْ بِٱلْحَسَنَـٰتِ وَٱلسَّيّئَاتِ } [الأعراف: 168] { حَتَّىٰ عَفَواْ } أي كثُروا عَدداً وعُدداً من عفا النباتُ إذا كثر وتكاثف وأبطرتْهم النعمة { وَقَالُواْ } غيرَ واقفين على أن ما أصابهم من الأمرين ابتلاءٌ من الله سبحانه { قَدْ مَسَّ ءابَاءنَا ٱلضَّرَّاء وَٱلسَّرَّاء } كما مسّنا ذلك، وما هو إلا من عادة الدهرِ يعاقِب في الناس بـين الضراءِ والسراء من غير أن يكون هناك داعيةٌ تؤدي إليهما أو تِبعةٌ تترتب عليهما، ولعل تأخيرَ السراءِ للإشعار بأنها تعقُب الضراءَ فلا ضيرَ فيها { فَأَخَذْنَـٰهُمْ } إثرَ ذلك { بَغْتَةً } فجأةً أشدَّ الأخذِ وأفظعَه { وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } بذلك ولا يُخطِرُ ببالهم شيئاً من المكاره كقوله تعالى: { حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ } [الأنعام: 44] الآية، وليس المرادُ بالأخذ بغتةً إهلاكَهم طرفة عينٍ كإهلاك عادٍ وقومِ لوطٍ بل ما يعُمّه وما يمضي بـين الأخذ وإتمام الإهلاكِ أياماً كدأب ثمود.

{ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ ٱلْقُرَىٰ } أي القرى المُهلَكة المدلولَ عليها بقوله تعالى: { { فِى قَرْيَةٍ } وقيل: هي مكةُ وما حولها من القُرى المنتظمةِ لما ذكر هٰهنا انتظاماً أولياً { ءامَنُواْ } بما أوحيَ إلى أنبـيائهم معتبِرين بما جرى عليهم من الابتلاء بالضراء والسراء { وَٱتَّقَوْاْ } أي الكفرَ والمعاصيَ أو اتقَوْا ما أُنذروا به على ألسنة الأنبـياءِ ولم يُصِرّوا على ما فعلوا من القبائح ولم يحمِلوا ابتلاء الله تعالى على عادات الدهر وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: وحَّدوا الله واتقَوا الشر { لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَـٰتٍ مّنَ ٱلسَّمَاء وَٱلأرْضِ } لوسّعنا عليهم الخيرَ ويسّرناه لهم من كل جانبٍ مكانَ ما أصابهم من فنون العقوباتِ التي بعضُها من السماء وبعضُها من الأرض. وقيل: المرادُ المطرُ والنباتُ وقرىء لفتّحنا بالتشديد للتكثير { وَلَـٰكِن كَذَّبُواْ } أي ولكن لم يؤمنوا ولم يتقوا وقد اكتُفي بذكر الأولِ لاستلزامه للثاني { فَأَخَذْنَـٰهُمْ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } من أنواع الكفرِ والمعاصي التي من جملتها قولُهم: قد مس آباءَنا الخ، وهذا الأخذُ عبارةٌ عما في قوله تعالى: { { فَأَخَذْنَـٰهُمْ بَغْتَةً } لا عن الجدب والقَحطِ كما قيل فإنهما قد زالا بتبديل الحسنةِ مكانَ السيئة.

{ أَفَأَمِنَ أَهْلُ ٱلْقُرَى } أي أهلُ القرى المذكورةِ، على وضع المُظهرِ موضِعَ المُضمر للإيذان بأن مدارَ التوبـيخِ أمْنُ كلِّ طائفةٍ ما أتاهم من البأس لا أمنُ مجموعِ الأمم، فإن كلَّ طائفةٍ منهم أصابهم بأسٌ خاصٌّ بهم لا يتعداهم إلى غيرهم كما سيأتي، والهمزةُ لإنكار الواقعِ واستقباحِه لا لإنكار الوقوعِ ونفيِه كما قاله أبو شامةَ وغيرُه لقوله تعالى: { فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْقَوْمُ ٱلْخَـٰسِرُونَ } [الأعراف: 99] والفاءُ للعطف على أخذناهم وما بـينهما اعتراضٌ توسّط بـينهما للمسارعة إلى بـيان أن الأخذَ المذكورَ مما كسبتْه أيديهم والمعنى أبعدَ ذلك الأخذِ أمِنَ أهلُ القرى { أَن يَأْتِيَهُم بَأْسُنَا بَيَـٰتاً } أي تبـيـيتاً أو وقتَ بـياتٍ أي مَبـيتاً أو مبـيتين وهو في الأصل مصدرٌ بمعنى البـيتوتة ويجيء بمعنى التبـيـيتِ كالسلام بمعنى التسليم { وَهُمْ نَائِمُونَ } حالٌ من ضميرهم البارزِ أو المستترِ في بـياتاً.