التفاسير

< >
عرض

إِذْ أَنتُمْ بِالْعُدْوَةِ ٱلدُّنْيَا وَهُم بِٱلْعُدْوَةِ ٱلْقُصْوَىٰ وَٱلرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَلَوْ تَوَاعَدتُّمْ لاَخْتَلَفْتُمْ فِي ٱلْمِيعَادِ وَلَـٰكِن لِّيَقْضِيَ ٱللَّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَىٰ مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ
٤٢
-الأنفال

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ إِذْ أَنتُم بِالْعُدْوَةِ ٱلدُّنْيَا } بدلٌ ثانٍ من (يومَ الفرقان) والعُدوةُ بالضم شطُّ الوادي وكذا بالفتح والكسر وقد قرىء بهما أيضاً { وَهُم بِٱلْعُدْوَةِ ٱلْقُصْوَىٰ } أي البُعدى من المدينة وهي تأنيثُ الأقصى وكان القياسُ قلبَ الواوِ ياءً كالدنيا والعليا مع كونهما من بنات الواو، لكنها جاءت على الأصل كالقود واستُصوب وهو أكثرُ استعمالاً من القُصيا { وَٱلرَّكْبُ } أي العِيرُ أو قُوّادُها { أَسْفَلَ مِنكُمْ } أي في مكانٍ أسفلَ من مكانكم يعني الساحلَ وهو نصبٌ على الظرفية واقعٌ موقعَ الخبر والجملةُ حالٌ من الظرف قبله وفائدتُها للدلالة على قوة العدو واستظهارِهم بالركب وحِرصِهم على المقاتلة عنها وتوطينِ نفوسِهم على أن لا يُخْلوا مراكزَهم ويبذُلوا منتهى جهدِهم وضعفِ شأن المسلمين والتياثِ أمرِهم واستبعادِ غَلَبتِهم عادةً وكذا ذكرُ مراكزِ الفريقين، فإن العُدوةَ الدنيا كانت رِخوةً تسوخُ فيها الأرجلُ ولا يُمشىٰ فيها إلا بتعب ولم يكن فيها ماءٌ بخلاف العُدوة القصوى وكذا قوله تعالى: { وَلَوْ تَوَاعَدتُّمْ لاَخْتَلَفْتُمْ فِي ٱلْمِيعَـٰدِ } أي لو تواعدتم أنتم وهم القتالَ ثم علمتم حالَكم وحالَهم لاختلفتم أنتم في الميعاد هَيْبةً منهم ويأساً من الظفر عليهم ليتحققوا أن ما اتفق لهم من الفتح ليس إلا صُنعاً من الله عز وجل خارقاً للعادات فيزدادوا إيماناً وشكراً وتطمئن نفوسُهم بفرض الخُمس { وَلَـٰكِنِ } جمع بينكم على هذه الحال من غير ميعاد { لّيَقْضِيَ ٱللَّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً } حقيقاً بأن يُفعل مِن نصْرِ أوليائِه وقهرِ أعدائِه، أو مقدراً في الأزل وقوله تعالى: { لّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيّنَةٍ وَيُحْىِ مِنْ حَىَّ عَن بَيّنَةٍ } بدلٌ منه أو متعلقٌ بمفعولاً أي ليموتَ من يموتُ عن بـينة عاينها ويعيشَ من يعيش عن بـينة شاهدها لئلا يكونَ له حجةٌ ومعذرةٌ فإن وقعةَ بدرٍ من الآيات الواضحة أو ليصدُرَ كفرُ من كفر وإيمانُ من آمن عن وضوح بـينةٍ على استعارة الهلاك والحياةِ للكفر والإيمان، والمرادُ بمن هلك ومن حيـيَّ المشارفُ للهلاكِ والحياة أو مَنْ حالُه في علم الله تعالى الهلاكُ والحياة، وقرىء ليهلَك بالفتح وحيِـيَ بفك الإدغام حملاً على المستقبل { وَإِنَّ ٱللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ } أي بكفر من كفر وعقابِه وإيمانِ من آمن وثوابِه، ولعل الجمعَ بـين الوصفين لاشتمال الأمرين على القول والاعتقاد.