التفاسير

< >
عرض

وَأَمَّا ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَىٰ رِجْسِهِمْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كَافِرُونَ
١٢٥
أَوَلاَ يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَّرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لاَ يَتُوبُونَ وَلاَ هُمْ يَذَّكَّرُونَ
١٢٦
وَإِذَا مَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ نَّظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُمْ مِّنْ أَحَدٍ ثُمَّ ٱنصَرَفُواْ صَرَفَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُم بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ
١٢٧
-التوبة

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ وَأَمَّا ٱلَّذِينَ فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ } أي كفرٌ وسوءُ عقيدة { فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَىٰ رِجْسِهِمْ } أي كُفراً بها مضموماً إلى الكفر بغيرها وعقائدَ باطلةً وأخلاقاً ذميمةً كذلك { وَمَاتُواْ وَهُمْ كَـٰفِرُونَ } واستحكم ذلك إلى أن يموتوا عليه { أَوْ لاَ يَرَوْنَ } الهمزةُ للإنكار والتوبـيخ والواوُ للعطف على مقدر أي ألا ينظُرون ولا يرَوْن { أَنَّهُمْ } أي المنافقين { يُفْتَنُونَ فِى كُلّ عَامٍ } من الأعوام { مَّرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ } والمرادُ مجردُ التكثيرِ لا بـيانُ الوقوع حسب العدِّ المزبورِ، أي يُبتلَوْن بأفانينِ البليات من المرض والشدةِ وغيرِ ذلك مما يذكّر الذنوبَ والوقوفَ بـين يدي رب العزة فيؤدي إلى الإيمان به تعالى أو بالجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيعاينون ما ينزل عليه من الآيات لا سيما القوارعُ الزائدةُ للإيمان الناعيةُ عليهم ما فيهم من القبائح المخزيةِ لهم { ثُمَّ لاَ يَتُوبُونَ } عطف على لا يَرَوْن داخلٌ تحت الإنكار والتوبـيخِ وكذا قوله تعالى: { وَلاَ هُمْ يَذَّكَّرُونَ } والمعنى أو لا يَرَون افتتانَهم الموجبَ لإيمانهم ثم لا يتوبون عما هم عليه من النفاق ولا هم يتذكرون بتلك الفِتن الموجبةِ للتذكر والتوبة، وقرىء بالتاء والخطابُ للؤمنين والهمزةُ للتعجيب أي ألا تنظرون ولا ترَوْن أحوالَهم العجيبة التي هي افتتانُهم على وجه التتابعِ وعدمَ التنبّهِ لذلك فقوله تعالى: { ثُمَّ لاَ يَتُوبُونَ } وما عطف عليه معطوفٌ على يفتنون.

{ وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ } بـيان لأحوالهم عند نزولِها وهم في مجال تبليغِ الوحي كما أن الأولَ بـيانٌ لمقالاتهم وهم غائبون عنه { نَّظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ } تغامزوا بالعيون إنكاراً لها أو سخريةً بها أو غيظاً لما فيها من مخازيهم { هَلْ يَرَاكُمْ مّنْ أَحَدٍ } أي قائلين: هل يراكم أحدٌ من المسلمين لننصرف، مظهرين أنهم لا يصطبرون على استماعها ويغلبُ عليهم الضحِكُ فيفتَضِحون أو ترامقوا يتشاورون في تدبـير الخروجِ والانسلال لِواذاً يقولون: هل يراكم من أحد إن قمتم من المجلس، وإيرادُ ضمير الخطابِ لبعث المخاطَبـين على الجد في انتهاز الفرصةِ فإن المرءَ بشأنه أكثرُ اهتماماً منه بشأن أصحابِه كما في قوله تعالى: { { وَلْيَتَلَطَّفْ وَلاَ يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا } [الكهف: 19] وقيل: المعنى وما أنزلت سورةٌ في عيوب المنافقين { ثُمَّ ٱنصَرَفُواْ } عطفٌ على نظَر بعضُهم والتراخي باعتبار وُجدانِ الفرصةِ والوقوفِ على عدمِ رؤيةِ أحدٍ من المؤمنين، أي انصرفوا جميعاً عن محفِل الوحيِ خوفاً من الافتضاح أو غير ذلك { صَرَفَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُم } أي عن الإيمان حسَب انصرافِهم عن المجلس، والجملةُ اختباريةٌ أو دعائية { بِأَنَّهُمْ } أي بسبب أنهم { قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ } لسوء الفهم أو لعدم التدبّر.