التفاسير

< >
عرض

قُل لَّن يُصِيبَنَآ إِلاَّ مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلاَنَا وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ
٥١
قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَآ إِلاَّ إِحْدَى ٱلْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَن يُصِيبَكُمُ ٱللَّهُ بِعَذَابٍ مِّنْ عِندِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوۤاْ إِنَّا مَعَكُمْ مُّتَرَبِّصُونَ
٥٢
-التوبة

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ قُلْ } بـياناً لبطلان ما بنَوْا عليه مسرتَهم من الاعتقاد { لَّن يُصِيبَنَا } أبداً وقرىء هل يصيبنا وهل يصيِّبُنا من فيعل لا من فعل لأنه واويٌّ، يقال: صاب السهمُ يصوب واشتقاقُه من الصواب { إِلاَّ مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لَنَا } أي أثبته لمصلحتنا الدنيويةِ أو الأخروية من النُّصرة عليكم أو الشهادة المؤديةِ إلى النعيم الدائم { هُوَ مَوْلَـٰنَا } ناصرُنا ومتولِّي أمورِنا { وَعَلَى ٱللَّهِ } وحده { فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ } التوكلُ تفويضُ الأمر إلى الله والرضا بما فعله وإن كان ذلك بعد ترتيب المبادي العادية، والفاءُ للدلالة على السببـية والأصل ليتوكلِ المؤمنون على الله، قدّم الظرفُ على الفعل لإفادة القصْرِ ثم أُدخل الفاءُ للدَلالة على استيجابه تعالى للتوكل عليه كما في قوله تعالى: { { وَإِيَّـٰىَ فَٱرْهَبُونِ } [البقرة: 4] والجملةُ إن كانت من تمام الكلامِ المأمورِ به فإظهارُ الاسمِ الجليلِ في مقام الإضمارِ لإظهار التبرُّكِ والتلذذِ به وإن كانت مَسوقةً من قِبله تعالى أمراً للمؤمنين بالتوكل إثرَ أمرِه عليه الصلاة والسلام بما ذكر فالأمرُ ظاهرٌ وكذا إعادةُ الأمر في قوله وجل:

{ قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا } لانقطاع حُكم الأمرِ الأولِ بالثاني وإن كان أمرَ الغائب وأما على الوجه الأولِ فهي لإبراز كمالِ العنايةِ بشأن المأمورِ به والإشعارِ بما بـينه وبـين ما أُمر به أولاً من الفرق في السياقِ، والتربُّصُ التمكّثُ مع انتظار مجيءِ شيءٍ خيراً كان أو شراً، والباءُ للتعدية وإحدى التاءين محذوفةٌ أي ما تنتظرون بنا { إِلا إِحْدَى ٱلْحُسْنَيَيْنِ } أي العاقبتين اللتين كلُّ واحدةٍ منهما هي حُسنى العواقبِ وهما النصرُ والشهادةُ وهذا نوعُ بـيانٍ لما أُبهم في الجواب الأول وكشفٌ لحقيقة الحالِ بإعلام أن ما يزعُمونه مضرَّةً للمسلمين من الشهادة أنفعُ مما يعُدّونه منفعةً من النصر والغنيمة { وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ } أحدى السوأَيَـيْن من العواقب إما { أَن يُصِيبَكُمُ ٱللَّهُ بِعَذَابٍ مّنْ عِندِهِ } كما أصاب مَن قبلكم من الأمم المهلَكة والظرفُ صفةُ عذاب، ولذلك حُذف عاملُه وجوباً { أَوْ } بعذاب { بِأَيْدِينَا } وهو القتلُ على الكفر { فَتَرَبَّصُواْ } الفاءُ فصيحةٌ أي إذا كان الأمر كذلك فتربصوا بنا ما هو عاقبتُنا { إِنَّا مَعَكُمْ مُّتَرَبّصُونَ } ما هو عاقبتُكم فإذا لقِيَ كلٌّ منا ومنكم ما يتربصه لا تشاهدون إلا ما يُسرنا ولا نشاهد إلا ما يسوءُكم.