التفاسير

< >
عرض

لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَآئِفَةٍ مِّنْكُمْ نُعَذِّبْ طَآئِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ
٦٦
ٱلْمُنَافِقُونَ وَٱلْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِّن بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِٱلْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُواْ ٱللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ
٦٧
وَعَدَ الله الْمُنَافِقِينَ وَٱلْمُنَافِقَاتِ وَٱلْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ ٱللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ
٦٨
-التوبة

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم

{ لاَ تَعْتَذِرُواْ } لا تشتغلوا بالاعتذار وهو عبارةٌ عن محو أثرِ الذنبِ فإنه معلومُ الكذبِ بـيِّنُ البطلان { قَدْ كَفَرْتُمْ } أظهرتم الكفر بإيذاء الرسولِ صلى الله عليه وسلم والطعن فيه { بَعْدَ إِيمَـٰنِكُمْ } بعد إظهارِكم له { إِن نَّعْفُ عَن طَائِفَةٍ مّنْكُمْ } لتوبتهم وإخلاصِهم أو تجنّبهم (عن) الإيذاء والاستهزاءِ، وقرىء إن يعفُ على إسناد الفعلِ إلى الله سبحانه وقرىء على البناء للمفعول مسنَداً إلى الظرف بتذكير الفعلِ وبتأنيثه أيضاً ذهاباً إلى المعنى كأنه قيل: إن ترحم طائفةٌ { نُعَذّبْ } بنون العظمة وقرىء بالياء على البناء للفاعل وبالتاء على البناء للمفعول مسنداً إلى ما بعده { طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ } مصِرِّين على الإجرام وهو غيرُ التائبـين أو مباشرين له وهم غير المجتنبـين. قال محمد بن إسحاقَ: الذي عُفي عنه رجلٌ واحدٌ هو يحيـى بنُ حُمَيِّر الأشجعيُّ لما نزلت هذه الآيةُ تاب عن نفاقه وقال: اللهم إني لا أزال أسمع آيةً تقشعر منها الجلودُ وتجِبُ منها القلوب اللهم اجعل وفاتي قتلاً في سبـيلك لا يقولُ أحدٌ: أنا غسلتُ أنا كفنتُ أنا دفنتُ فأصيب يومَ اليمامة فما أحدٌ من المسلمين إلا عُرِفَ مصرعُه غيرَه.

{ ٱلْمُنَـٰفِقُونَ وَٱلْمُنَـٰفِقَاتُ } التعرّضُ لأحوال الإناثِ للإيذان بكمال عراقتِهم في الكفر والنفاق { بَعْضُهُمْ مّن بَعْضٍ } أي متشابهون في النفاق والبُعدِ عن الإيمان كأبعاض الشيء الواحدِ بالشخص، وقيل: أريد به نفيُ أن يكونوا من المؤمنين وتكذيبُهم في حلفهم بالله إنهم لمنكم وتقريرٌ لقوله تعالى: { { وَمَا هُم مّنكُمْ } وقوله تعالى: { يَأْمُرُونَ بِٱلْمُنكَرِ } أي بالكفر والمعاصي { وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمَعْرُوفِ } أي عن الإيمان والطاعةِ استئنافٌ مقررٌ لمضمون ما سبق ومُفصِحٌ عن مضادة حالِهم لحال المؤمنين أو خبرٌ ثان { وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ } أي عن المبرات والإنفاق في سبـيل الله فإن قبضَ اليد كنايةٌ عن الشح { نَسُواْ ٱللَّهَ } أغفلوا ذكرَه { فَنَسِيَهُمْ } فتركهم من رحمته وفضلِه وخذلَهم، والتعبـيرُ عنه بالنسيان للمشاكلة { إِنَّ ٱلْمُنَـٰفِقِينَ هُمُ الْفَـٰسِقُونَ } الكاملون في التمرد والفسقِ الذي هو الخروجُ عن الطاعة والانسلاخُ عن كل خيرٍ والإظهارُ في موقع الإضمار لزيادة التقرير كما في قوله تعالى:

{ وَعَدَ الله الْمُنَـٰفِقِينَ وَٱلْمُنَـٰفِقَاتِ وَٱلْكُفَّارَ } أي المجاهرين { نَارَ جَهَنَّمَ خَـٰلِدِينَ فِيهَا } مقدرين الخلود فيها { هِىَ حَسْبُهُمْ } عقاباً وجزاءً وفيه دليلٌ على عظم عقابِها وعذابِها { وَلَعَنَهُمُ ٱللَّهُ } أي أبعدهم من رحمته وأهانهم، وفي إظهار الاسمِ الجليلِ من الإيذان بشدة السخط ما لا يخفى { وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ } أي نوعٌ من العذاب غيرَ عذابِ النار دائمٌ لا ينقطع أبداً أو لهم عذاب مقيمٌ في الدنيا لا ينفك عنهم وهو ما يقاسونه من تعب النفاقِ الذي هم منه في بلية دائمةٍ لا يأمنون ساعةً من خوف الفضيحةِ ونزولِ العذاب إن اطُّلع عن أسرارهم.