التفاسير

< >
عرض

وَجَآءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُواْ عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ
٥٨
وَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمْ قَالَ ٱئْتُونِي بِأَخٍ لَّكُمْ مِّنْ أَبِيكُمْ أَلاَ تَرَوْنَ أَنِّيۤ أُوفِي ٱلْكَيْلَ وَأَنَاْ خَيْرُ ٱلْمُنْزِلِينَ
٥٩
فَإِن لَّمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلاَ كَيْلَ لَكُمْ عِندِي وَلاَ تَقْرَبُونِ
٦٠
قَالُواْ سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ
٦١
وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ ٱجْعَلُواْ بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَآ إِذَا ٱنْقَلَبُوۤاْ إِلَىٰ أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ
٦٢
فَلَمَّا رَجَعُوا إِلَىٰ أَبِيهِمْ قَالُواْ يٰأَبَانَا مُنِعَ مِنَّا ٱلْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنَآ أَخَانَا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ
٦٣
قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلاَّ كَمَآ أَمِنتُكُمْ عَلَىٰ أَخِيهِ مِن قَبْلُ فَٱللَّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ ٱلرَّاحِمِينَ
٦٤
وَلَمَّا فَتَحُواْ مَتَاعَهُمْ وَجَدُواْ بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قَالُواْ يٰأَبَانَا مَا نَبْغِي هَـٰذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا وَنَمِيرُ أَهْلَنَا وَنَحْفَظُ أَخَانَا وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذٰلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ
٦٥
قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّىٰ تُؤْتُونِ مَوْثِقاً مِّنَ ٱللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلاَّ أَن يُحَاطَ بِكُمْ فَلَمَّآ آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ ٱللَّهُ عَلَىٰ مَا نَقُولُ وَكِيلٌ
٦٦
وَقَالَ يٰبَنِيَّ لاَ تَدْخُلُواْ مِن بَابٍ وَاحِدٍ وَٱدْخُلُواْ مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ وَمَآ أُغْنِي عَنكُمْ مِّنَ ٱللَّهِ مِن شَيْءٍ إِنِ ٱلْحُكْمُ إِلاَّ للَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُتَوَكِّلُونَ
٦٧
وَلَمَّا دَخَلُواْ مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُم مَّا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِّنَ ٱللَّهِ مِن شَيْءٍ إِلاَّ حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِّمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ
٦٨
وَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَىٰ يُوسُفَ آوَىۤ إِلَيْهِ أَخَاهُ قَالَ إِنِّيۤ أَنَاْ أَخُوكَ فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ
٦٩
فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ ٱلسِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا ٱلْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ
٧٠
قَالُواْ وَأَقْبَلُواْ عَلَيْهِمْ مَّاذَا تَفْقِدُونَ
٧١
قَالُواْ نَفْقِدُ صُوَاعَ ٱلْمَلِكِ وَلِمَن جَآءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَاْ بِهِ زَعِيمٌ
٧٢
قَالُواْ تَٱللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَّا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي ٱلأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ
٧٣
قَالُواْ فَمَا جَزَآؤُهُ إِن كُنتُمْ كَاذِبِينَ
٧٤
قَالُواْ جَزَآؤُهُ مَن وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ كَذٰلِكَ نَجْزِي ٱلظَّالِمِينَ
٧٥
فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَآءِ أَخِيهِ ثُمَّ ٱسْتَخْرَجَهَا مِن وِعَآءِ أَخِيهِ كَذٰلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ ٱلْمَلِكِ إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَآءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ
٧٦
قَالُوۤاْ إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَّكَاناً وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ
٧٧
قَالُواْ يٰأَيُّهَا ٱلْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ ٱلْمُحْسِنِينَ
٧٨
قَالَ مَعَاذَ ٱللَّهِ أَن نَّأْخُذَ إِلاَّ مَن وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِندَهُ إِنَّـآ إِذاً لَّظَالِمُونَ
٧٩
فَلَمَّا ٱسْتَيْأَسُواْ مِنْهُ خَلَصُواْ نَجِيّاً قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوۤاْ أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَّوْثِقاً مِّنَ ٱللَّهِ وَمِن قَبْلُ مَا فَرَّطتُمْ فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ ٱلأَرْضَ حَتَّىٰ يَأْذَنَ لِيۤ أَبِيۤ أَوْ يَحْكُمَ ٱللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ ٱلْحَاكِمِينَ
٨٠
ٱرْجِعُوۤاْ إِلَىٰ أَبِيكُمْ فَقُولُواْ يٰأَبَانَا إِنَّ ٱبْنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَآ إِلاَّ بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ
٨١
-يوسف

مقاتل بن سليمان

{ وَجَآءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ } من أرض كنعان، { فَدَخَلُواْ عَلَيْهِ }، أي على يوسف بمصر، { فَعَرَفَهُمْ } يوسف، { وَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ } [آية: 58]، يقول: وهم لا يعرفون يوسف، فقال: من أنتم؟ قالوا: نحن بنو يعقوب، نحن من أهل كنعان، قال: كم أنتم؟ قالوا: نحن أحد عشر، قال: ما لي لا أرى الأحد عشر؟ قالوا: واحد منا عند أبينا، قال: ولم ذلك؟ قالوا: إن أخاه لأمه أكله الذئب، فلذلك تركناه عند أبينا، فهو يستريح.
{ وَلَمَّا جَهَّزَهُم } يوسف { بِجَهَازِهِمْ }، يعني في أمر الطعام، { قَالَ ٱئْتُونِي بِأَخٍ لَّكُمْ مِّنْ أَبِيكُمْ }، يعني بنيامين، وكان أخاهم من أبيهم، وكان أخا يوسف لأبيه وأمه، { أَلاَ تَرَوْنَ أَنِّيۤ أُوفِي }، يعني أوفي لكم { ٱلْكَيْلَ وَأَنَاْ خَيْرُ ٱلْمُنْزِلِينَ } [آية: 59]، وأنا أفضل من يضيف بمصر.
{ فَإِن لَّمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلاَ كَيْلَ لَكُمْ }، يعني فلا بيع لكم { عِندِي } من الطعام، { وَلاَ تَقْرَبُونِ } [آية: 60] بلادي.
{ قَالُواْ سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ } يعقوب، { وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ } [آية: 61] ذلك بأبيه.
{ وَقَالَ } يوسف { لِفِتْيَانِهِ }، يعني لخدامه وهم يكيلون لهم الطعام، { ٱجْعَلُواْ بِضَاعَتَهُمْ }، يعني دراهمهم { فِي رِحَالِهِمْ }، يعني في أوعيتهم، { لَعَلَّهُمْ }، يعني لكي { يَعْرِفُونَهَآ إِذَا ٱنْقَلَبُوۤاْ إِلَىٰ أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ }، يعني لكي { يَرْجِعُونَ } [آية: 62] إلينا فلا يحبسهم عنا حبس الدراهم إذا ردت إليهم؛ لأنهم كانوا أهل ماشية.
{ فَلَمَّا رَجِعُوا إِلَىٰ أَبِيهِمْ قَالُواْ يٰأَبَانَا مُنِعَ مِنَّا ٱلْكَيْلُ }، يعني منع كيل الطعام، فيه إضمار فيما يستأنف، { فَأَرْسِلْ مَعَنَآ أَخَانَا } بنيامين { نَكْتَلْ } الطعام بثمن، { وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } [آية: 63] من الضيعة.
{ قَالَ } أبوهم: { هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلاَّ كَمَآ أَمِنتُكُمْ عَلَىٰ أَخِيهِ مِن قَبْلُ } في قراءة ابن مسعود: هل تحفظونه إلا كما حفظتم أخاه يوسف من قبل بنيامين، { فَٱللَّهُ خَيْرٌ حَافِظاً }، يعني فالله خير حافظاً منكم، { وَهُوَ أَرْحَمُ ٱلرَّاحِمِينَ } [آية: 64]، يعني أفضل الراحمين.
{ وَلَمَّا فَتَحُواْ مَتَاعَهُمْ }، يعني حلوا أوعيتهم، { وَجَدُواْ بِضَاعَتَهُمْ }، يعني دراهمهم، فيها إضمار، { رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قَالُواْ يٰأَبَانَا مَا نَبْغِي } بعد { هَـٰذِهِ } إضمار فإنهم قد ردوا علينا الدراهم، هذه { بِضَاعَتُنَا }، يعني دراهمنا { رُدَّتْ إِلَيْنَا وَنَمِيرُ أَهْلَنَا } الطعام، { وَنَحْفَظُ أَخَانَا } بنيامين من الضيعة، { وَنَزْدَادُ } من أجله { كَيْلَ بَعِيرٍ }، وكان أهل مصر يبيعون الطعام على عدة الرجال، ولا يبيعون على عدة الدواب، وكان الطعام عزيزاً، فذلك قوله: { كَيْلَ بَعِيرٍ } من أجله، { ذٰلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ } [آية: 65] سريع لا حبس فيه.
{ قَالَ } أبوهم: { لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّىٰ تُؤْتُونِ مَوْثِقاً مِّنَ ٱللَّهِ }، يعني تعطونى عهداً من الله، { لَتَأْتُنَّنِي بِهِ }، يعني بنيامين ولا تضيعوه كما ضيعتم أخاه يوسف، { إِلاَّ أَن يُحَاطَ بِكُمْ }، يعني يحيط بكم الهلاك فتهلكوا جميعاً، { فَلَمَّآ آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ }، يعني عهدهم، { قَالَ } يعقوب: { ٱللَّهُ عَلَىٰ مَا نَقُولُ وَكِيلٌ } [آية: 66]، يعني شهيداً بيني وبينكم، نظيرها في القصص:
{ وَٱللَّهُ عَلَىٰ مَا نَقُولُ وَكِيلٌ } [القصص: 28].
فلما سرح بنيامين معهم، خشي عليهم العين، وكان بنوه لهم جمال وحسن، { وَقَالَ يٰبَنِيَّ لاَ تَدْخُلُواْ } مصر { مِن بَابٍ وَاحِدٍ }، يعني من طريق واحد، { وَٱدْخُلُواْ مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ }، من طرق شتى، ثم قال: { وَمَآ أُغْنِي عَنكُمْ } إذا جاء قضاء الله، { مِّنَ ٱللَّهِ مِن شَيْءٍ إِنِ ٱلْحُكْمُ إِلاَّ للَّهِ }، يعني ما القضاء إلا لله، { عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ }، يقول: به أثق، { وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُتَوَكِّلُونَ } [آية: 67]، يعني به فليثق الواثقون.
{ وَلَمَّا دَخَلُواْ } مصر { مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُم } من طرق شتى، أخذ كل واحد منهم في طريق على حدة، يقول الله تعالى: { مَّا كَانَ } يعقوب { يُغْنِي عَنْهُمْ مِّنَ ٱللَّهِ مِن شَيْءٍ إِلاَّ حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا }، كقوله:
{ وَلاَ يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً } [الحشر: 9]، وهذا من كلام العرب، يعني إلا أمر شجر في نفس يعقوب، { وَإِنَّهُ }، يعني أباهم { لَذُو عِلْمٍ لِّمَا عَلَّمْنَاهُ }؛ لأن الله تعالى علمه أنه لا يصيب بنيه إلا ما قضى الله عليهم، { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } [آية: 68].
{ وَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَىٰ يُوسُفَ آوَىۤ إِلَيْهِ أَخَاهُ }، يعني ضم إليه أخاه، { قَالَ إِنِّيۤ أَنَاْ أَخُوكَ فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } [آية: 69]، يقول: فلا تحزن بما سرقوك وجاءوا بالدراهم التي كانت في أوعيتهم فردوها إلى يوسف، عليه السلام.
{ فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ }، يقول: فلما قضى في أمر الطعام حاجتهم، { جَعَلَ ٱلسِّقَايَةَ }، وهى الإناء الذى يشرب به الملك، { فِي رَحْلِ أَخِيهِ } بنيامين، { ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ }، يعني نادى مناد، اسمه بعرايم بن بربري، من فتيان يوسف: { أَيَّتُهَا ٱلْعِيرُ }، يعني الرفقة، { إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ } [آية: 70]، فانقطعت ظهورهم وساء ظنهم.
فـ{ قَالُواْ وَأَقْبَلُواْ عَلَيْهِمْ }، فيها تقديم وأقبلوا على المنادي، ثم قالوا: { مَّاذَا تَفْقِدُونَ } [آية: 71].
{ قَالُواْ } المنادي ومن معه لإخوة يوسف: { نَفْقِدُ صُوَاعَ ٱلْمَلِك }، يعني إناء الملك، وكان يكال به كفعل أهل العساكر، { وَلِمَن جَآءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ }، يعني وقر بعير، { وَأَنَاْ بِهِ زَعِيمٌ } [آية: 72]، يعني به كفيل.
فرد الإخوة القول على المنادى، { قَالُواْ تَٱللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَّا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي ٱلأَرْضِ }، يعني أرض مصر بالمعاصى، { وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ } [آية: 73]، وقد رددنا عليكم الدراهم التى كانت في أوعيتنا، ولو كنا سارقين ما رددناها عليكم.
{ قَالُواْ }، أي المنادي ومن معه: { فَمَا جَزَآؤُهُ }، أي السارق، { إِن كُنتُمْ كَاذِبِينَ } [آية: 74].
{ قَالُواْ جَزَآؤُهُ مَن وُجِدَ فِي رَحْلِهِ }، يعني في وعائه، يعني المتاع، { فَهُوَ جَزَاؤُهُ }، يعني هو مكان سرقته، { كَذٰلِكَ نَجْزِي ٱلظَّالِمِينَ } [آية: 75]، يعني هكذا نجزي السارقين، كقوله في المائدة:
{ فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِه } [المائدة: 39]، يعني بعد سرقته، وكان الحكم بأرض مصر أن يغرم السارق عبداً يستخدم على قدر ضعف ما سرق ويترك، وكان الحكم بأرض كنعان أن يتخذ السارق عبداً يستخدم على قدر سرقته، ثم يخلى سبيله، فيذهب حيث شاء، فحكموا بأرض مصر بقضاء أرضهم.
{ فَبَدَأَ } المنادي { بِأَوْعِيَتِهِمْ }، فنظر فيها، فلم ير شيئاً، { قَبْلَ وِعَآءِ أَخِيهِ }، ثم انصرف ولم ينظر في وعاء بنيامين، فقال: ما كان هذا الغلام ليأخذ الإناء، قال إخوته: لا ندعك حتى تنظر في وعائه، فيكون أطيب لنفسك، فنظر، فإذا هو بالإناء { ثُمَّ ٱسْتَخْرَجَهَا مِن وِعَآءِ أَخِيه }، يعني من متاع أخيه، وهو أخو يوسف لأبيه وأمه، { كَذٰلِكَ كِدْنَا }، يعني هكذا صنعنا { لِيُوسُفَ } أن يأخذ أخاه خادماً بسرقته في دين الملك، يعني في سلطان الملك، فذلك قوله: { مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ }، يعني ليحبس أخاه، { فِي دِينِ ٱلْمَلِكِ }، يعني حكم الملك؛ لأن حكم الملك أن يغرم السارق ضعف ما سرق ثم يترك، { إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ } ذلك ليوسف، { نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَآءُ }، يعني فضائل يوسف حين أخذ أخاه، ثم قال: { وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ } [آية: 76]، يقول الرب تعالى عالم، { وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ }، يقول: يوسف أعلم إخوته.
ثم قال إخوة يوسف: { قَالُوۤاْ إِن يَسْرِقْ } بنيامين، { فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ } بنيامين يعنون يوسف، عليه السلام، وذلك أن جد يوسف أبا أمه كان اسمه لاتان، كان يعبد الأصنام، فقالت راحيل لابنها يوسف، عليه السلام: خذ الصنم ففر به من البيت، لعله يترك عبادة الأوثان، وكان من ذهب، ففعل ذلك يوسف، عليه السلام، فتلك سرقة يوسف التى قالوا، فلما سمع يوسف مقالتهم، { فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ }، ولم يظهرها لهم، { قَالَ } في نفسه: { أَنْتُمْ شَرٌّ مَّكَاناً }، ولم يسمعهم، قال: أنتم أسوأ صنعاً فيما صنعتم بيوسف، { وَٱللَّهُ أَعْلَمْ بِمَا تَصِفُونَ } [آية: 77]، يعني بما تقولون من الكذب أن يوسف سرق.
فعندها قالوا: ما لقينا من ابني راحيل يوسف وأخيه؟ فقال بنيامين: ما لقي ابنا راحيل منك؟ أما يوسف، فقد فعلتم به ما فعلتم، وأما أنا فسرقتموني، قالوا: فمن جعل الإناء في متاعك؟ قال: جعله في متاعي الذي جعل الدراهم في أمتعتكم، فلما ذكر الدراهم شتموه، وقالوا: لا تذكر الدراهم، في أمتعتكم، مخافة أن يؤخذوا بها.
{ قَالُواْ }، أي إخوة يوسف ليوسف: { يٰأَيُّهَا ٱلْعَزِيزُ }، وذلك أن أرض مصر صارت إليه، وهو خازن الملك، { إِنَّ لَهُ }، يعني بنيامين، { أَباً شَيْخاً كَبِيراً }، حزيناً على ابن مفقود، { فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ ٱلْمُحْسِنِينَ } [آية: 78] إلينا إن فعلت بنا ذلك.
{ قَالَ } يوسف: { مَعَاذَ ٱللَّهِ }، يقول: نعوذ بالله { أَن نَّأْخُذَ }، يعني أن نحبس بالسرقة { إِلاَّ مَن وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِندَهُ إِنَّـآ إِذاً لَّظَالِمُونَ } [آية: 79] أن نأخذ البرىء مكان السقيم.
{ فَلَمَّا ٱسْتَيْأَسُواْ مِنْهُ }، يقول: يئسوا من بنيامين، { خَلَصُواْ نَجِيّاً }، يعني خلوا يتناجون بينهم على حدة، وقال بعضهم لبعض: { قَالَ كَبِيرُهُمْ }، يعني عظيمهم في أنفسهم وأعلمهم، وهو يهوذا، ولم يكن أكبرهم في السن: { أَلَمْ تَعْلَمُوۤاْ أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَّوْثِقاً مِّنَ ٱللَّهِ }، يعني في أمر بنيامين لتأتينه به، { وَمِن قَبْلُ } بنيامين { مَا فَرَّطتُمْ فِي يُوسُفَ }، يعني ضيعتم، { فَلَنْ أَبْرَحَ ٱلأَرْضَ }، يعني أرض مصر، { حَتَّىٰ يَأْذَنَ لِيۤ أَبِيۤ } في الرجعة، { أَوْ يَحْكُمَ ٱللَّهُ لِي } فيرد عليَّ بنيامين، { وَهُوَ خَيْرُ ٱلْحَاكِمِينَ } [آية: 80]، يعني أفضل القاضين.
{ ٱرْجِعُوۤاْ إِلَىٰ أَبِيكُمْ فَقُولُواْ يٰأَبَانَا إِنَّ ٱبْنَكَ سَرَقَ }، يعني بنيامين، { وَمَا شَهِدْنَآ إِلاَّ بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ } [آية: 81]، يعني وما كنا نرى أنه يسرق، ولو علمنا ما ذهبنا به معنا.