التفاسير

< >
عرض

وَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ
١٦٩
فَرِحِينَ بِمَآ آتَاهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِٱلَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ
١٧٠
يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ ٱللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُؤْمِنِينَ
١٧١
-آل عمران

مقاتل بن سليمان

{ وَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ }، يعنى قتلى بدر من قتل المسلمين يومئذ، وهم أربعة عشر رجلاً، ستة من المهاجرين: مهجع بن عبدالله مولى عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، فقال النبى صلى الله عليه وسلم يوم بدر: "سيد شهداء أمتى مهجع" ، وهو أول قتيل قتل يوم بدر، رضى الله عنه، وعبيدة بن الحارث بن عبد المطلب بن عبد مناف القرشى، وعمير بن أبى وقاص بن وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب، وذو الشماليل عبد عمرو بن نضلة بن عمرو بن نضلة بن عبد عمرو القيسانى، وعقيل بن بكير، وصفوان ابن بيضاء، رضى الله عنهم، وثمانية من الأنصار: حارثة بن سراقة، ويزيد بن الحارث بن جشم، ومعوذ بن الحارث، وعوف بن الحارث بن رفاعة ابنا عفراء، الاسم اسم أمهما عفراء، ورافع بن المعلى، وسعد بن حنتمة، وعمرو بن الحمام بن الجموح، ومبشر بن عبد المنذر.
فقال رجل: يا ليتنا نعلم ما لقى إخواننا الذين قتلوا ببدر، فأنزل الله تعالى: { وَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ }، يعنى قتلى بدر، { أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ } [آية: 169] الثمار فى الجنة، وذلك أن الله تعالى جعل أرواح الشهداء طيراً خضراً ترعى فى الجنة، لها قناديل معلقة بالعرش تأوى إلى قناديلها، فاطلع الله عز وجل عليهم، فقال سبحانه: هل تستزيدونى شيئاً فأزيدكم؟ قالوا: أولسنا نسرح فى الجنة حيث نشاء؟ ثم اطلع عليهم أخرى، فقال سبحانه: هل تستزيدونى شيئاً فأزيدكم؟ ثم اطلع الثالثة، فقال سبحانه: هل تستزيدونى شيئاً فأزيدكم؟ قالوا: ربنا، نريد أن ترد أرواحنا فى أجسادنا فنقاتل فى سبيلك مرة أخرى لما نرى من كرامتك إيانا، ثم قالوا فيما بينهم: ليت إخواننا الذين فى دار الدنيا يعلمون ما نحن فيه من الكرامة والخير والرزق، فإن شهدوا قتالاً سارعوا بأنفسهم إلى الشهادة، فسمع الله عز وجل كلامهم، فأوحى إليهم: أنى منزل على نبيكم ومخبر إخوانكم بما أنتم فيه، فاستبشروا بذلك، فأنزل الله عز وجل يحبب الشهادة إلى المؤمنين: { وَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ } من الثمار.
ثم قال سبحانه: { فَرِحِينَ بِمَآ آتَاهُمُ ٱللَّهُ }، يعنى راضين بما أعطاهم الله { مِن فَضْلِهِ }، يعنى الرزق، { وَيَسْتَبْشِرُونَ بِٱلَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ }، يعنى من بعدهم من إخوانهم فى الدنيا أنهم لو رأوا قتالا لاستشهدوا ليلحقوا بهم، ثم قال سبحانه: { أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ } من العذاب، { وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } [آية: 170] عند الموت، { يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ ٱللَّهِ }، يعنى رحمة من الله { وَفَضْلٍ } ورزق، { وَأَنَّ ٱللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } [آية: 171]، يعنى أجر المصدقين بتوحيد الله عز وجل.