التفاسير

< >
عرض

قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِٱلَّذِي خَلَقَ ٱلأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَاداً ذَلِكَ رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ
٩
وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَآ أَقْوَاتَهَا فِيۤ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَآءً لِّلسَّآئِلِينَ
١٠
ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ إِلَى ٱلسَّمَآءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ ٱئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَآ أَتَيْنَا طَآئِعِينَ
١١
فَقَضَٰهُنَّ سَبْعَ سَمَٰوَٰتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَىٰ فِي كُلِّ سَمَآءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا ٱلسَّمَآءَ ٱلدُّنْيَا بِمَصَٰبِيحَ وَحِفْظاً ذَلِكَ تَقْدِيرُ ٱلْعَزِيزِ ٱلْعَلِيمِ
١٢
فَإِنْ أَعْرَضُواْ فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ
١٣
إِذْ جَآءَتْهُمُ ٱلرُّسُلُ مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ ٱللَّهَ قَالُواْ لَوْ شَآءَ رَبُّنَا لأَنزَلَ مَلاَئِكَةً فَإِنَّا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ
١٤
فَأَمَّا عَادٌ فَٱسْتَكْبَرُواْ فِي ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ وَقَالُواْ مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ ٱللَّهَ ٱلَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُواْ بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ
١٥
-فصلت

مقاتل بن سليمان

{ قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ } بالتوحيد، و{ بِٱلَّذِي خَلَقَ ٱلأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ }، يوم الثلاثاء ويوم الأربعاء، ثم قال: { وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَاداً }، يعني شريكاً، { ذَلِكَ } الذي خلق الأرض في يومين هو { رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ } [آية: 9]، يعني الناس أجمعين.
ثم قال: { وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا }، يعني جعل الجبل من فوق الأرض أوتاداً للأرض؛ لئلا تزول بمن عليها، { وَبَارَكَ فِيهَا }، يعني في الأرض، والبركة الزرع والثمار والنبت وغيره، ثم قال: { وَقَدَّرَ فِيهَآ أَقْوَاتَهَا فِيۤ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ }، يقول: وقسم في الأرض أرزاق العباد والبهائم، { سَوَآءً لِّلسَّآئِلِينَ } [آية: 10]، يعني عدلاً لمن يسأل الرزق من السائلين.
{ ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ إِلَى ٱلسَّمَآءِ وَهِيَ دُخَانٌ }، قبل ذلك، { فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ ٱئْتِيَا طَوْعاً } عبادتي ومعرفتي، يعني أعطيا الطاعة طيعاً، { أَوْ كَرْهاً }، وذلك أن الله تعالى حين خلقهما عرض عليهما الطاعة بالشهوات واللذات، على الثواب والعقاب، فأبين أن يحملنها من المخافة، فقال لهما الرب: ائتيا المعرفة لربكما والذكر له، على غير ثواب ولا عقاب، طوعاً أو كرهاً، { قَالَتَآ أَتَيْنَا طَآئِعِينَ } [آية: 11]، يعني أعطيناه طائعين.
{ فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ }، يقول: فخلق السموات السبع، { فِي يَوْمَيْنِ }، الأحد والاثنين، { وَأَوْحَىٰ }، يقول: وأمر { فِي كُلِّ سَمَآءٍ أَمْرَهَا } الذي أراده، قال: { وَزَيَّنَّا ٱلسَّمَآءَ ٱلدُّنْيَا }، يقول لأنها أدنى السموات من الأرض، { بِمَصَابِيحَ }، يعني الكواكب، { وَحِفْظاً } بالكواكب، يعني ما يرمي الشياطين بالشهاب؛ لئلا يستمعوا إلى السماء، يقول: { ذَلِكَ } الذي ذكر من صنعه في هذه الآية، { تَقْدِيرُ ٱلْعَزِيزِ } في ملكه، { ٱلْعَلِيمِ } [آية: 12] بخلقه.
{ فَإِنْ أَعْرَضُواْ } عن الإيمان، يعني التوحيد، { فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً } في الدنيا، { مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ } [آية: 13]، يقول: مثل عذاب عاد وثمود، وإنما خص عاداً وثمود من بين الأمم؛ لأن كفار مكة قد عاينوا هلاكهم باليمن والحجر.
قال مقاتل: كل من يموت من عذاب، أو سقم، أو قتل، فهو مصعوق.
ثم قال: { إِذْ جَآءَتْهُمُ ٱلرُّسُلُ مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ }، يعني من قبلهم ومن بعدهم، فقالوا لقومهم: { أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ ٱللَّهَ }، يقول: وحدوا الله، { قَالُواْ } للرسل: { لَوْ شَآءَ رَبُّنَا لأَنزَلَ مَلاَئِكَةً }، فكانوا إلينا رسلاً، { فَإِنَّا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ }، يعني بالتوحيد، { كَافِرُونَ } [آية: 14] لا نؤمن به.
{ فَأَمَّا عَادٌ فَٱسْتَكْبَرُواْ }، يعني فتكبروا عن الإيمان وعملوا { فِي ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ }، فخوفهم هود العذاب، { وَقَالُواْ مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً }، يعني بطشاً، قال: كان الرجل منهم ينزع الصخرة من الجبل لشدته، وكان طوله اثنا عشر ذراعاً، ويقال: ثمانية عشر ذراعاً، وكانوا باليمن في حضرموت، { أَوَلَمْ يَرَوْاْ }، يقول: أو لم يعلموا { أَنَّ ٱللَّهَ ٱلَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً }، يعني بطشاً، { وَكَانُواْ بِآيَاتِنَا }، يعني بالعذاب، { يَجْحَدُونَ } [آية: 15] أنه لا ينزل بهم، فأرسل الله عليهم الريح فأهلكتهم.