التفاسير

< >
عرض

وَأَنزَلْنَآ إِلَيْكَ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ ٱلْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَٱحْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَهُمْ عَمَّا جَآءَكَ مِنَ ٱلْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَـٰكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَآ آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَىٰ الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ
٤٨
وَأَنِ ٱحْكُم بَيْنَهُمْ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَهُمْ وَٱحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَٱعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ ٱلنَّاسِ لَفَاسِقُونَ
٤٩
أَفَحُكْمَ ٱلْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ ٱللَّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ
٥٠
-المائدة

مقاتل بن سليمان

قوله سبحانه: { وَأَنزَلْنَآ إِلَيْكَ ٱلْكِتَابَ } يا محمد صلى الله عليه وسلم، { بِٱلْحَقِّ }، يعنى القرآن بالحق، لم ننزله عبثاً ولا باطلاً لغير شىء، { مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ ٱلْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ }، يقول: وشاهداً عليه، وذلك أن قرآن محمد صلى الله عليه وسلم شاهد بأن الكتب التى أنزلت قبله أنها من الله عز وجل، { فَٱحْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ } إليك فى القرآن، { وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَهُمْ }، يعنى أهواء اليهود، { عَمَّا جَآءَكَ مِنَ ٱلْحَقِّ }، وهو القرآن، { لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً }، يعنى من المسلمين وأهل الكتاب، { شِرْعَةً }، يعنى سُنة، { وَمِنْهَاجاً }، يعنى طريقاً وسبيلاً، فشريعة أهل التوراة فى قتل العمد القصاص ليس لهم عقل ولا دية، والرجم على المحصن والمحصنة إذا زنيا.
وشريعة الإنجيل فى القتل العمد العفو، ليس لهم قصاص ولا دية، وشريعتهم فى الزنا الجلد بلا رجم، وشريعة أمة محمد صلى الله عليه وسلم فى قتل العمد القصاص والدية والعفو، وشريعتهم فى الزنا إذا لم يحصن الجلد، فإذا أحصن فالرجم، { وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَجَعَلَكُمْ } يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم وأهل الكتاب، { أُمَّةً وَاحِدَةً } على دين الإسلام وحدها، { وَلَـٰكِن لِّيَبْلُوَكُمْ }، يعنى يبتليكم، { فِي مَآ آتَاكُم }، يعنى فيما أعطاكم من الكتاب والسُنة من يطع الله عز وجل فيما أمر ونهى، ومن يعصه، { فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ }، يقول: سارعوا فى الأعمال الصالحة يا أمة محمد، فيما ذكر من السبيل والسُنة، { إِلَىٰ الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً } فى الآخرة أنتم وأهل الكتاب، { فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ } [آية: 48] فى الدين.
قوله سبحانه: { وَأَنِ ٱحْكُم بَيْنَهُمْ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ } إليك فى الكتاب، يعنى بين اليهود، وذلك أن قوماً من رءوس اليهود من أهل النصير اختفلوا، فقال بعضهم لبعض: انطلقوا بنا إلى محمد لعلنا نفتنه ونرده عما هو عليه، فإنما هو بشر إذن فيستمع، فأتوه فقالوا له: هل لك أن تحكم لنا على أصحابنا أهل قريظة فى أمر الدماء كما كنا عليه من قبل، فإن فعلت، فإنا نبايعك ونطيعك، وإنا إذا بايعناك تابعك أهل الكتاب كلهم؛ لأنا سادتهم وأحبارهم، فنحن نفتنهم ونزلهم عما هم عليه حتى يدخلوا فى دينك.
فأنزل الله عز وجل يحذر نبيه صلى الله عليه وسلم، فقال: { وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَهُمْ } فى أمر الدماء، { وَٱحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ }، يعنى أن يصدوك، { عَن بَعْضِ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ إِلَيْكَ } من أمر الدماء بالسوية، { فَإِن تَوَلَّوْاْ }، يقول: فإن أبوا حكمك، { فَٱعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُصِيبَهُم }، يعنى أن يعذبهم فى الدنيا بالقتل والجلاء من المدينة إلى الشام، { بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ }، يعنى ببعض الدماء التى كانت بينهم من قبل أن يبعث محمد صلى الله عليه وسلم، { وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ ٱلنَّاسِ }، يعنى رءوس اليهود، { لَفَاسِقُونَ } [آية: 49]، يعنى لعاصون حين كرهوا حكم النبى صلى الله عليه وسلم فى أمر الدماء بالحق.
فقال كعب بن الأشرف، ومالك بن الضيف، وكعب بن أسيد، للنبى صلى الله عليه وسلم، لا نرضى بحكمك، فأنزل الله عز وجل: { أَفَحُكْمَ ٱلْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ }، الذى كانوا عليه من الجور من قبل أن يبعث محمد صلى الله عليه وسلم، { وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ ٱللَّهِ حُكْماً }، يقول: فلا أحد أحسن من الله حكماً، { لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ } [آية: 50] بالله عز وجل.