{ وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ ٱلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا } قتادة: يعني مشركي مكة، مقاتل: هم خمسة نفر: عبد الله بن أُمية المخزومي والوليد بن المغيرة ومكرز بن حفص، وعمرو بن عبد الله بن أبي قيس العامري، والعاص بن عامر بن هاشم. قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم { ٱئْتِ بِقُرْآنٍ } ليس فيه ترك عبادة اللات والعزى ومناة وهبل وليس فيه عنهما أي { بَدِّلْهُ } تكلم به من تلقاء نفسك.
وقال الكلبي: نزلت في المستهزئين، قالوا: يا محمد ائت بقرآن غيره [ليس فيه ما يغيظنا، أو بدّله] فاجعل مكان آية عذاب آية رحمة أو آية رحمة آية عذاب أو حرام حلالا أو حلال حراماً { قُلْ } لهم يا محمد { مَا يَكُونُ لِيۤ أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَآءِ نَفْسِي } من قبل نفسي ومن عندي { ۤ إِنْ أَتَّبِعُ } ما أطيع فيما آمركم وأنهاكم { إِلاَّ مَا يُوحَىۤ إِلَيَّ إِنِّيۤ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ * قُل لَّوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَدْرَاكُمْ } أعلمكم { بِهِ } وقرأ الحسن: ولا أدراتكم به، وهي لغة بني عقيل يحولون الياء ألفاً فيقولون: أعطأت بمعنى أعطيت، ولبأت بمعنى لبّيت وجاراة وناصاة للجارية والناصية. فأنشد المفضل:
لقد أذنت أهل اليمامة طيّبحرب كناصاة الأغر المشهر
وقال زيد الخيل:
لعمرك ما أخشى التصعلك ما بقاعلى الأرض قيسيّ يسوق الأباعرا
أي ما بقي، وقال آخر:
زجرت فقلنا لا نريع لزاجرإن الغويّ إذا نَها لم يعتب
أي نهى.
وروى البري عن ابن كثير ولادراكم بالقصر على الإيجاب يريد: ولا عملكم به من غير قراءتي عليكم. وقرأ ابن عباس: ولا أدراتكم من الإنذار، وهي قراءة الحسن { فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً } حيناً وهو أربعون سنة { مِّن قَبْلِهِ } من قبل نزول القرآن ولم آتكم بشيء { أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } انه ليس من قبلي.
قال ابن عباس: نبّيء رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن أربعون سنة وأقام بمكة ثلاثة عشرة وبالمدينة عشرة وتوفي وهو ابن ثلاث وستين سنة { فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً } فزعم أنه له شريكاً أو صاحبة أو ولداً { أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ } محمد والقرآن { إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلْمُجْرِمُونَ } لا يأمن ولا ينجو المشركون { وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ } إن عصوه { وَلاَ يَنفَعُهُمْ } أن أطاعوه يعني الأصنام { وَيَقُولُونَ هَـٰؤُلاۤءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ ٱللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ } تخبرون { ٱللَّهَ } قرأه العامة: بالتشديد، وقرأ أبو الشمال العدوي: أتُنبئون بالتخفيف وهما لغتان. نبأ ينبئ بنية، وأنبأني إنباءً بمعنى فاعل جمعها.
قوله تعالى: { { قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ هَـٰذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ ٱلْعَلِيمُ ٱلْخَبِيرُ } [التحريم: 3] { بِمَا لاَ يَعْلَمُ } بما لا يعلم الله تعالى صحته وحقيقته ولا يكون { فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي ٱلأَرْضِ } ومعنى الآية: أتخبرون الله أنّ له شريكاً أو عنده شفيعاً بغير إذنه ولا يعلم الله أنّ له شريكاً في السماوات { وَلاَ فِي ٱلأَرْضِ } لأنه لا شريك له فلذلك لا يعلمه نظيره قوله عزّ وجلّ: { { أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي ٱلأَرْضِ } [الرعد: 33].
ثم نزّه نفسه فقال: { سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ } قرأ يحيى بن ثابت والأعمش وأبو حمزة والكسائي وخلف: تشركون بالتاء هاهنا وفي سورة النحل والروم، وهو اختيار أبي عبيد للمخاطبة التي قبلها، وقرأ الباقون كلها بالياء، واختارها أبو حاتم، وقال: كذلك تعلمناها.
{ وَمَا كَانَ ٱلنَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً } على ملة واحدة الإسلام دين آدم (عليه السلام) إلى أن قتل أحد ابني آدم أخاه فاختلفوا. قاله مجاهد والسدي.
قال ابن عباس: كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على شريعة من الحق فاختلفوا على عهد نوح فبعث الله إليهم نوحاً، وقيل: كانوا أمة واحدة مجتمعة على التوحيد يوم الميثاق. وقيل: أهل سفينة نوح، وقال أبو روق: كانوا أمة واحدة على ملّة الإسلام زمن نوح (عليه السلام) بعد الغرق، وقال عطاء: كانوا على دين واحد الإسلام من لدن إبراهيم (عليه السلام) إلى أن غيّره عمرو بن يحيى، عطاء: يدلّ على صحة هذه التأويلات قراءة عبد الله: { وَمَا كَانَ ٱلنَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً فَٱخْتَلَفُوا }، وقال الكلبي: وما كان الناس إلاّ أمة واحدة كافرة على عهد إبراهيم فاختلفوا فتفرقوا، مؤمن وكافر.
{ وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ } بأن جعل للدنيا مدة لكل أمة أجلا لا تتعدى ذلك، قال أبو روق وقال الكلبي: هي أن الله أخّر هذه الأمة ولا يهلكهم بالعذاب في الدنيا،
وقيل: هي أنه لا يأخذ إلاّ بعد إقامة الحجة.
وقال الحسن، ولولا كلمة سبقت من ربك مضت في حكمه أنه لا يقضي فيهم فيما اختلفوا فيه بالثواب والعقاب دون القيامة.
{ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ } في الدنيا فأدخل المؤمنين الجنة بأعمالهم والكافرين في النار بكفرهم ولكنه سبق من الله الأجل فجعل موعدهم يوم القيامة.
وقال أبو روق: لقضي بينهم، لأقام عليهم الساعة، وقيل: الفزع من هلاكهم، وقال عيسى ابن عمر: لقضى بينهم بالفتح لقوله: { مِن رَّبِّكَ } { فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } من الذين { وَيَقُولُونَ } يعني أهل مكة { لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ } أي على محمد { مِّن رَّبِّهِ فَقُلْ } لهم يا محمد ما سألتموني الغيب { إِنَّمَا ٱلْغَيْبُ للَّهِ } ما يعلم أحدكم بفعل ذلك إلاّ هو، وقيل: الغيب، نزول الآية متى تنزل نزل { فَٱنْتَظِرُوۤاْ } نزول الآية { إِنِّي مَعَكُمْ مِّنَ ٱلْمُنتَظِرِينَ } لنزولها، وقيل: فانتظروا قضاء الله بيننا بإظهار الحق على الباطل. وقال الحسن: فانتظروا مواعيد الشيطان وكانوا مع إبليس على موعد فيما يعدهم ويمنيهم أني معكم من المنتظرين. فأنجز الله وعده ونصر عبده.