التفاسير

< >
عرض

وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَٰوةَ وَآتُواْ ٱلزَّكَٰوةَ وَمَا تُقَدِّمُواْ لأَنْفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ
١١٠
وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ ٱلْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَىٰ تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ
١١١
بَلَىٰ مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ للَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ
١١٢
وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ لَيْسَتِ ٱلنَّصَارَىٰ عَلَىٰ شَيْءٍ وَقَالَتِ ٱلنَّصَارَىٰ لَيْسَتِ ٱلْيَهُودُ عَلَىٰ شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ ٱلْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ ٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَٱللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ
١١٣
-البقرة

الكشف والبيان

{ وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ وَآتُواْ ٱلزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُواْ } تسلفوا.
{ لأَنْفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ } طاعة وعمل صالح.
{ تَجِدُوهُ } تجدوا ثوابه ونفعه. { عِندَ ٱللَّهِ } وقيل: بالخبر الحال كقوله عزّ وجلّ { إِن تَرَكَ خَيْراً } [البقرة: 180] ومعناه وما تقدّموا لأنفسكم من زكاة وصدقة تجدوه عند الله أي وتجدوا الثمرة واللقمّة مثل أحُد { إِنَّ ٱللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ } ورد في الحديث: إذا مات العبد قال الله: ما خلّف؟
وقال الملائكة: ما قدّم؟
وعن أنس بن مالك قال: لمّا ماتت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل علي بن أبي طالب عليه السلام الدّار فأنشأ يقول:

لكلّ اجتماع من خليلين فرقةوكلّ الّذي دون الفراق قليل
وإنّ افتقادي واحداً بعد واحددليلٌ على أن لا يدوم خليل

ثمّ دخل المقابر فقال: السلام عليكم يا أهل القبور أموالكم قسّمت ودوركم سكنّت وأزواجكم نكحت فهذا خبر ما عندنا فما خبر ما عندكم؟ فهتف هاتف: وعليكم السلام ما أكلنا رِبْحَنَا وما قدّمنا وجدنا وما خلّفنا خسرنا.
{ وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ ٱلْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَىٰ } قال الفرّاء: أراد يهودياً فحذف الياء الزائدة ورجعوا إلى الفعل من اليهوديّة.
وقال الأخفش: اليهود جمع هايد مثل عائِد وعود وحائل وحول وعايط وعوط وعايذ وعوذ، وفي مصحف أُبي: إلاّ من كان يهودياً أو نصرانياً ومعنى الآية وقالت اليهود: لن يدخل الجنّة إلاّ من كان يهوديّاً ولا دين إلاّ دين اليهوديّة وقالت النصارى: لن يدخل الجنّة إلاّ من كان نصرانيّاً ولا دين إلاّ النصرانية قال الله تعالى: { تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ } شهواتهم الّتي يشتهوها ويتمنوها على الله عزّ وجلّ بغير الحقّ وقيل أباطيلهم بلغة قريش.
{ قُلْ } يا محمّد. { هَاتُواْ } وأصله أتوا فقلبت الهمزة هاءً.
{ بُرْهَانَكُمْ } حجتكم على ذلك وجمعه براهين مثل قربان قرابين وسلطان وسلاطين.
{ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ } ثمّ قال ردّاً عليهم وتكذبياً لهم { بَلَىٰ } ليس كما قالوا بل يدخل الجنّة { مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ للَّهِ } مقاتل: أخلص دينه وعمله لله وقيل: فوض أمره إلى الله.
وقيل: خضع وتواضع لله.
وأصل الإسلام والاستسلام: الخضوع والأنقياد وإنّما خصَّ الوجه لأنّه إذا جاد بوجهه في السّجود لم يبخل بسائر جوارحه.
قال زيد بن عمرو بن نفيل:

اسلمتُ وجهي لمن اسلمتله الأرض تحمل صخراً ثقالا
واسلمت وجهي لمن اسلمتله المزن يحمل عذباً زلالاً

{ وَهُوَ مُحْسِنٌ } في عمله، وقيل: مؤمن، وقيل: مخلص.
{ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } { وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ } نزلت في يهود المدينة ونصارى أهل نجران؛ وذلك إنّ وفد نجران لمّا قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاهم أحبار اليهود فتناظروا حتّى ارتفعت أصواتهم فقالت لهم اليهود: ما أنتم على شيء من الدّين وكفروا بعيسى والأنجيل، وقالت لهم النّصارى: ما أنتم على شيء من الدّين وكفروا بموسى والتوراة. فأنزل الله تعالى { وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ لَيْسَتِ ٱلنَّصَارَىٰ عَلَىٰ شَيْءٍ وَقَالَتِ ٱلنَّصَارَىٰ لَيْسَتِ ٱلْيَهُودُ عَلَىٰ شَيْءٍ }.
{ وَهُمْ يَتْلُونَ ٱلْكِتَابَ } وكلا الفريقين يقرأون الكتاب أي لتبين في كتابكم سر الاختلاف فدل تلاوتهم الكتاب ومخالفتهم مافيه على أنهم على الباطل.
وقيل: كان سفيان الثوري إذا قرأ هذه الآية قال: صدقوا جميعاً والله كذلك.
{ كَذَلِكَ قَالَ ٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ } يعني أباءهم الذّين مضوا.
{ مِثْلَ قَوْلِهِمْ } قال مقاتل يعني مشركي العرب كذلك قالوا في نبيّهم محمّد صلى الله عليه وسلم وأصحابه ليسوا على شيء من الدّين.
وقال ابن جريج: قلت لعطاء: (كذلك قال الذين لا يعلمون) من هم؟
قال: أُمم كانت قبل اليهود والنّصارى مثل قوم نوح وهود وصالح ولوط وشعيب ونحوهم، قالوا في نبيهم إنّه ليس على شيء وأنّ الدّين ديننا.
{ فَٱللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ } يقضي بين المحقّ والمبطل يوم القيامة.
{ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } من الدّين.