التفاسير

< >
عرض

يَآأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱسْتَعِينُواْ بِٱلصَّبْرِ وَٱلصَّلاَةِ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّابِرِينَ
١٥٣
وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ ٱللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ
١٥٤
وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ ٱلْخَوْفِ وَٱلْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ ٱلأَمَوَالِ وَٱلأَنفُسِ وَٱلثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ ٱلصَّابِرِينَ
١٥٥
ٱلَّذِينَ إِذَآ أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا للَّهِ وَإِنَّـآ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ
١٥٦
أُولَـٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُهْتَدُونَ
١٥٧
-البقرة

الكشف والبيان

{ يَآأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱسْتَعِينُواْ بِٱلصَّبْرِ وَٱلصَّلاَةِ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّابِرِينَ } بالعون والنصرة.
{ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ ٱللَّهِ أَمْوَاتٌ }
نزلت في قتلى بدر مع المسلمين، وكانوا أربعة عشر رجلاً منهم ثمانية من الأنصار وستّة من المهاجرين؛ وذلك إنّ النّاس كانوا يقولون: الرّجل يقتل في سبيل الله: مات فلان، وذهب منه نعيم الدُّنيا ولذّتها، فأنزل الله تعالى { وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ ٱللَّهِ أَمْوَاتٌ } أي هم أموات بل إنهم أحياء.
{ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ } إنّهم كذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"إنّ ارواح الشهداء في أجواف طير خضر تسرح في ثمار الجنَّة، وتشرب من أنهارها، وتأوي بالليل إلى قناديل من نور معلقة تحت العرش" .
وقال الحسن: إن الشهداء أحياء عند الله تعرض أرزاقهم على أرواحهم فيصل إليهم الرّوح والفرح، كما تعرض النّار على أرواح آل فرعون غداة وعشياً فيصل إليهم الوجع.
وقال أبو سنان السّلمي: أرواح الشهداء في قباب بيض من باب الجنّة في كلّ قبّة زوجتان، رزقهم في كلّ يوم طلعت فيه الشمس نور وحوت، فأما النور: ففيه طعم كلّ ثمرة في الجنة وامّا الحوت: ففيه طعم كلّ شراب في الجنّة.
قال قتادة في هذه الآية: كنّا نحّدث إنّ أرواح الشهداء تعارف في طير بيض يأكلن من ثمار الجنّة وإنّ مساكنهم السدرة المنتهى، وإنّ للمجاهد في سبيل الله عزّ وجلّ ثلاث خصال: من قتل في سبيل الله منهم صار حيّاً مرزوقاً، ومن غلب أتاه الله أجراً عظيماً، ومن مات رزقه الله رزقاً حسناً.
عن النبّي صلى الله عليه وسلم قال:
"يعطى الشهيد ست خصال عند أول قطرة من دمهِ يكفّر عنه كل خطيئة ويرى مقعده من الجنّة ويزوّج من الحور العين ويؤمن من الفزع الأكبر ومن عذاب القبر ويحلّى بحلية الإيمان" .
{ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ } ولنختبرنّكم يا أمّة محمّد.
{ بِشَيْءٍ مِّنَ ٱلْخَوْفِ وَٱلْجُوعِ } الآية، قال ابن عبّاس: الخوف يعني خوف العدو، والجوع يعني المجاعة والقحط.
{ وَنَقْصٍ مِّنَ ٱلأَمَوَالِ } يعني الخسران والنّقصان في المال، وهلاك المواشي { وَٱلأَنفُسِ } يعني الموت والقتل، وقيل: المرض وقيل: الشيب.
{ وَٱلثَّمَرَاتِ } يعني [الحوائج]، وأن لا تخرج الثمرة كما كانت تخرج، وقال الشافعي: { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ ٱلْخَوْفِ } يعني خوف الله عزّ وجلّ { وَٱلْجُوعِ } صيام شهر رمضان، { وَنَقْصٍ مِّنَ ٱلأَمَوَالِ } أداء الزّكاة والصدّقات، { وَٱلأَنفُسِ } الأمراض، { وَٱلثَّمَرَاتِ } موت الأولاد؛ لأن ولد الرجل ثمرة قلبه يدلّ عليه ما روى عبد الله بن المبارك عن حماد بن سلمه عن أبي سنان قال: دفنت إبني سناناً، وأبو طلحه الخولاني على شفير القبر جالس، فلمّا أردت الخروج أخذ بيدي فانشطني وقال: ألا أُبشّرك يا أبا سنان؟
قلت: بلى. قال: حدّثنا الضحاك بن عبد الرحمن بن عرزب عن أبي موسى الأشعري: إنّ رسول صلى الله عليه وسلم قال:
"إذا مات ولد العبد قال الله عزّ وجلّ للملائكة أقبضتم ولد عبدي؟ فيقولون: نعم فيقول: أقبضتم ثمرة فؤاده؟ فيقولون: نعم، فيقول: ماذا قال عبدي؟ فيقولون: حمدك واسترجع، فيقول الله عزّ وجلّ: إبنوا لعبدي بيتاً في الجنة وسمّوه بيت الحمد" .
{ وَبَشِّرِ ٱلصَّابِرِينَ } على البلايا والرّزايا ثمّ نعتهم فقال: { ٱلَّذِينَ إِذَآ أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا للَّهِ } عبيداً تجمع وملكاً.
{ وَإِنَّـآ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ } في الاْخرة أمال نصير النّون في قوله { إِنَّا للَّهِ }، فأمال قتيبة النون واللام جميعاً فخمها الباقون، وقال أبو بكر الورّاق: إنّا لله: اقرار منّا له بالملك وإنّا إليه راجعون: في الآخرة إقرار على أنفسنا بالهلاك.
قال عكرمة:
"طفى سراج النبّي صلى الله عليه وسلم فقال: { إِنَّا للَّهِ وَإِنَّـآ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ } فقيل: يا رسول الله أمصيبة هي؟
قال: نعم كل شيء يؤذي المؤمن فهو له مصيبة"
.
قال سعيد بن جبير: ما أُعطي أحد في المصيبة ما أُعطي هذه الأمة يعني الاسترجاع ولو أعطي لأحد لأعطي يعقوب عليه السلام ألاّ تسمع إلى قوله في فقد يوسف { { يَٰأَسَفَىٰ عَلَى يُوسُفَ } [يوسف: 84].
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"من استرجع عند المصيبة جبر الله مصيبته وأحسن عقباه، وجعل له خلفاً صالحاً يرضاه" .
وعن فاطمة بنت الحسين عن أمّها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أصيب بمصيبة فأحدث استرجاعاً وان تقادم عهدها كتب الله له من الأجر مثل يوم أُصيب" .
{ أُولَـٰئِكَ } أي أهل هذه الصفة.
{ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ } قال ابن عبّاس: مغفرة { مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ } ونعمة.
ابن كيسان: الصلوات هاهنا الثناء والرّحمة والتزكية وإنّما ذكر الصلاة والرحمة ومعناهما واحد لاختلاف اللفظين كقول الحطيئة:

ألا حبّذا هند وأرض بها هند وهند أتى من دونها النأي والبعد

وجمع الصلوات لأنّه عنى بها إنها رحمة بعد رحمة.
{ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُهْتَدُونَ } إلى الاسترجاع، وقيل: إلى الجنّة والثواب.
وقيل: إلى الحقّ والصّواب وكان عمر بن الخطاب إذا قرأ هذه الآية قال: نعم العدلان ونعم العلاوة.