التفاسير

< >
عرض

إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَسْتَحْى أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَأَمَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَيَقُولُونَ مَاذَآ أَرَادَ ٱللَّهُ بِهَـٰذَا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ ٱلْفَٰسِقِينَ
٢٦
ٱلَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ ٱللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَٰقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَآ أَمَرَ ٱللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي ٱلأرْضِ أُولَـۤئِكَ هُمُ ٱلْخَٰسِرُونَ
٢٧
كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِٱللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَٰتاً فَأَحْيَٰكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ
٢٨
هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَّا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ إِلَى ٱلسَّمَآءِ فَسَوَّٰهُنَّ سَبْعَ سَمَٰوَٰتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ
٢٩
-البقرة

الكشف والبيان

{ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَسْتَحْى أَن يَضْرِبَ مَثَلاً } هذه الآية نزلت في اليهود، وذلك أنّ الله تعالى ذكر في كتابه العنكبوت والذباب فقال: { { إِنَّ ٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ لَن يَخْلُقُواْ ذُبَاباً } [الحج: 73] الآية. وقال: { { ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَوْلِيَآءَ كَمَثَلِ ٱلْعَنكَبُوتِ } [العنكبوت: 41] الآية، ضحكت اليهود وقالوا: ما هذا الكلام وماذا أراد الله بذكر هذه الأشياء الخبيثة في كتابه وما يشبه هذا كلام الله، فأنزل الله تعالى: { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَسْتَحْى أَن يَضْرِبَ مَثَلاً } أي لا يترك ولا يمنعه الحياء أن يضرب مثلا أن تصف للحق شبهاً. { مَّا بَعُوضَةً }. (ما) صلة، وبعوضة نصب يدلّ على المثل.
{ فَمَا فَوْقَهَا }: ابن عباس يعني الذباب والعنكبوت. وقال أبو عبيدة: يعني فما دونها.
{ فَأَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } بمحمد والقرآن { فَيَعْلَمُونَ } يعني أنّ هذا المثل هو { أَنَّهُ ٱلْحَقُّ } الصدق الصحيح. { مِن رَّبِّهِمْ }.
{ وَأَمَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } بمحمد صلى الله عليه وسلم والقرآن. { فَيَقُولُونَ مَاذَآ أَرَادَ ٱللَّهُ بِهَـٰذَا مَثَلاً }: أي بهذا المثل. فلمّا حذف الألف واللام نصب على الحال والقطع والتمام، كقوله:
{ { وَلَهُ ٱلدِّينُ وَاصِباً } [النحل: 52].
فأجابهم الله تعالى فقال: أراد الله بهذا المثل { يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً } من الكافرين ذلك أنهم ينكرونه ويكذّبونه { وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً } من المؤمنين يعرفونه ويصدّقون.
{ وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ ٱلْفَاسِقِينَ } الكافرين، وأصل الفسق: الخروج، قال الله تعالى:
{ { فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ } [الكهف: 50] أي خرج. تقول العرب: فسقت الرّطبة عن القشر، أي خرجت.
ثمّ وصفهم فقال: { ٱلَّذِينَ يَنقُضُونَ } أي يتركون ويخالفون، وأصل النقض: الكسر.
{ عَهْدَ ٱللَّهِ } أمره الذي عَهِد إليهم يوم الميثاق بقوله تعالى:
{ { أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَىٰ } [الأعراف: 172] وما عهد إليهم في التوراة أن يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم [وضمّنه] نعته وصفته.
{ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ } توكيده وتشديده، وهو مفعال من الوثيقة.
{ وَيَقْطَعُونَ مَآ أَمَرَ ٱللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ } يعني الأرحام، وقيل: هو الإيمان بجميع الرّسل والكتب، وهو نوع من الصّلة؛ لأنهم قالوا:
{ { نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ } [النساء: 150] فقطعوا، وقال المؤمنون:{ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ } [البقرة: 285] فوصلوا.
{ وَيُفْسِدُونَ فِي ٱلأرْضِ } بالمعاصي وتعويق الناس عن الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم والقرآن.
{ أُولَـۤئِكَ هُمُ ٱلْخَاسِرُونَ }: أي المغبونون بالعقوبة وفوت المثوبة، ثمّ قال: لمشركي مكة على التعجّب:
{ كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِٱللَّهِ وَكُنْتُمْ } واو الحال { أَمْوَاتاً } نطفاً في أصلاب آبائكم { فَأَحْيَاكُمْ } في الأرحام في الدنيا { ثُمَّ يُمِيتُكُمْ } عند انقضاء آجالكم. { ثُمَّ يُحْيِيكُمْ } للبعث. { ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } تأتون في الآخرة فيجزيكم بأعمالكم.
وقرأ يعقوب: ترجعون، وبيانه بفتح الأول وكسر الجيم جعل الفعل لهم.
{ هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ لَكُمْ } لأجلكم. { مَّا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ إِلَى ٱلسَّمَآءِ } أي قصد وعمد الى خلق السماء.
{ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ } أي خلق سبع سماوات مستويات بلا فطور ولا شطور ولا عمد تحتها ولا علامة فوقها. { وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }: عالم.