التفاسير

< >
عرض

ويَآءَادَمُ ٱسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ ٱلْجَنَّةَ فَكُلاَ مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ ٱلظَّالِمِينَ
١٩
فَوَسْوَسَ لَهُمَا ٱلشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ ٱلْخَالِدِينَ
٢٠
وَقَاسَمَهُمَآ إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ ٱلنَّاصِحِينَ
٢١
فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا ٱلشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ ٱلْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَآ أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا ٱلشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَآ إِنَّ ٱلشَّيْطَآنَ لَكُمَا عَدُوٌ مُّبِينٌ
٢٢
قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَآ أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلْخَاسِرِينَ
٢٣
قَالَ ٱهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي ٱلأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ
٢٤
قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ
٢٥
-الأعراف

الكشف والبيان

{ وَيَآءَادَمُ ٱسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ ٱلْجَنَّةَ فَكُلاَ مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ ٱلظَّالِمِينَ * فَوَسْوَسَ } يعني إليهما ومعناه فحدث إليهما { ٱلشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا } يعني ليظهر لهما ما غطى وستر عنهما من عوراتهما، وقال وهب: كان عليهما نور لا يرى سوءاتهما ثمّ بين الوسوسة { وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا } ياآدم وحواء { رَبُّكُمَا عَنْ هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ } يعني إلاّ أن تكونا وكراهيّة أن يكونا من الملائكة يعملان الخير والشر.
وقرأ ابن عباس والضحاك ويحيى بن أبي معين: ملكين بكسر اللام من الملك أخذوها من قوله
{ { هَلْ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ ٱلْخُلْدِ وَمُلْكٍ لاَّ يَبْلَىٰ } [طه: 120].
{ أَوْ تَكُونَا مِنَ ٱلْخَالِدِينَ } من الباقين الذين لا يموتون { وَقَاسَمَهُمَآ } أي أقسم وحلف لهما، وقاسم من المفاعلة أي يختصّ الواحد مثل المعافاة المعاقبة والمناولة.
قال خالد بن زهير:

وقاسمهما بالله جهداً لأنتمألذ من السلوى إذا ما نشورها

قال قتادة: حلف لهما بالله عزّ وجلّ حتّى خدعهما وقد يخدع المؤمن بالله فقال: إني خُلقت قبلكما وأنا أعلم منكما فاتبعاني أرشدكما، وكان بعض أهل العلم يقول: من خادعنا بالله خدعنا.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"المؤمن غر كريم، والفاجر خبُّ لئيم" .
[وحدّثنا] أبو القاسم الحبيبي في بعضها. قال: أنشدنا أبو الحسن المظفّر بن محمد بن غالب قال: أنشدنا نفطويه:

إن الكريم إذا تشاء خدعتهوترى اللئيم مجرباً لا يخدع

{ إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ ٱلنَّاصِحِينَ * فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ } يعني فخدعهما يقال: ما زال فلان يدلي لفلان يعرّفُة، يعني مازال يخطّئه ويكلّمه بزخرف القول الباطل، وقال مقاتل: فزين لهما الباطل.
وقال الحسن بن الفضل: يعني تعلقهما بغرور، يقال: تدلي بنفسه ودلى غيره. ولا يكون التدلّي إلاّ من علو إلى أسفل، وقيل أصله دللهما فأبدل من إحدى اللامات ياء، كقوله: [تمطّى] و[دسّاها]، وقال أبو عبيدة: دلّيهما أخذ لهما وكلاهما من تدلين الدلو إذا أرسلتها في البئر لتملأها { فَلَمَّا ذَاقَا ٱلشَّجَرَةَ } أكلا منها ووصل إلى بطنيهما { بَدَتْ } ظهرت { لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا } عوراتهما وتهافت عنهما لباسهما حتّى أبصر كل واحد منهما ما ورى عنه من عورة صاحبه وكانا لا يريان ذلك.
قال قتادة: كان لباس آدم وحوّاء في الجنّة ظفر أكله فلما واقعا الذنب كشط عنهما وبدت سوءاتهما فأستحيا { وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ } [يوقعان] ويشدان [ويمزّقان ويصلاّن] { عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ ٱلْجَنَّةِ } وهو ورق التين حتّى صار بهيئة الثوب ومنه خصف النعل.
وروى أُبي بن كعب: عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"كان آدم رجلاً [طوّالا] كأنّه نخلة (سحوق) كثير شعر الرأس فلمّا وقع في الخطيئة بدت له سوءاته وكان لا يراها فانطلق هارباً في الجنّة فعرضت له شجرة من شجر الجنّة فَحَسِبَهُ بشر. فقال: أرسلني، قالت: لست بمرسلتك، فناداه ربّه يا آدم أمنّي تفر، قال: لا يا رب ولكنّي أستحيي منك" .
وقال ابن عباس وقتادة: قال الله عزّ وجلّ لآدم: ألم يكن لك فيما أبحته ومنحته لك من الجنّة [مندوحة] من الشجرة، قال: على عهدي ولكن ما ظننت أن أحداً من خلقك يحلف بك كاذباً، قال: فبعزّتي لأُهبطنّك إلى الأرض ثمّ لا تنال العيش [إلاّ نكداً] فاهبطا من الجنّة، فكانا يأكلان رغداً إلى غير رغد من طعام وشراب، تعلم صنعة الحديد وأمر بالحرث فحرث وزرع ثمّ سقى حتّى إذا بلغ حصد ثمّ طحنه ثمّ عجنه ثمّ خبزه ثمّ أكل ثمّ بلعه حتّى بلغ منه ما شاء الله أن بلغ { وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَآ أَلَمْ أَنْهَكُمَا } الآية، قال محمد بن قيس: ناداه ربّه يا آدم لم أكلت منها وقد نهيتك قال: يارب أطعمتني حواء، قال لحواء: لم أطعمتيه قالت: أخبرتني الحيّة، قال للحيّة: لِمَ أمرتيها؟ قالت: أمرني [إبليس] فقال الله عزّ وجلّ: أمّا إنّكِ ياحوّاء فكما أدميت الشجرة [فسأُدميكِ]، وأمّا أنتِ ياحيّة فاقطع قوائمك فتمشين جهتيّ الماء على وجهك وسيدفع رأسك من لقيك، وأمّا أنتَ يا إبليس فملعون مدحور.
{ قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَآ أَنفُسَنَا } ضررناها بالمعصية { وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلْخَاسِرِينَ } الهالكين { قَالَ ٱهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي ٱلأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ } { قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ } يعني في الأرض { وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ }.