التفاسير

< >
عرض

ٱلَّذِينَ يَلْمِزُونَ ٱلْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ ٱللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ
٧٩
ٱسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ ٱللَّهُ لَهُمْ ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْفَاسِقِينَ
٨٠
فَرِحَ ٱلْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلاَفَ رَسُولِ ٱللَّهِ وَكَرِهُوۤاْ أَن يُجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَقَالُواْ لاَ تَنفِرُواْ فِي ٱلْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ
٨١
فَلْيَضْحَكُواْ قَلِيلاً وَلْيَبْكُواْ كَثِيراً جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ
٨٢
فَإِن رَّجَعَكَ ٱللَّهُ إِلَىٰ طَآئِفَةٍ مِّنْهُمْ فَٱسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَّن تَخْرُجُواْ مَعِيَ أَبَداً وَلَن تُقَاتِلُواْ مَعِيَ عَدُوّاً إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِٱلْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَٱقْعُدُواْ مَعَ ٱلْخَالِفِينَ
٨٣
وَلاَ تُصَلِّ عَلَىٰ أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَداً وَلاَ تَقُمْ عَلَىٰ قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُواْ وَهُمْ فَاسِقُونَ
٨٤
وَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَٰلُهُمْ وَأَوْلَـٰدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي ٱلدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَٰفِرُونَ
٨٥
وَإِذَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُواْ بِٱللَّهِ وَجَاهِدُواْ مَعَ رَسُولِهِ ٱسْتَأْذَنَكَ أُوْلُواْ ٱلطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُواْ ذَرْنَا نَكُنْ مَّعَ ٱلْقَاعِدِينَ
٨٦
رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ ٱلْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَفْقَهُونَ
٨٧
لَـٰكِنِ ٱلرَّسُولُ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ جَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُوْلَـٰئِكَ لَهُمُ ٱلْخَيْرَاتُ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ
٨٨
أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذٰلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ
٨٩
وَجَآءَ ٱلْمُعَذِّرُونَ مِنَ ٱلأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ ٱلَّذِينَ كَذَبُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ
٩٠
لَّيْسَ عَلَى ٱلضُّعَفَآءِ وَلاَ عَلَىٰ ٱلْمَرْضَىٰ وَلاَ عَلَى ٱلَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُواْ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى ٱلْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ
٩١
-التوبة

الكشف والبيان

{ ٱلَّذِينَ يَلْمِزُونَ ٱلْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ } قال أهل التفسير: "حثَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصدقة فجاء عبد الرحمن بن عوف بأربعة آلاف درهم وقال: يا رسول الله مالي ثمانية آلاف فجئتك بأربعة آلاف فاجعلها في سبيل الله، فأمسكت أربعة آلاف لعيالي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بارك الله لك فيما أعطيت وفيما أمسكت" .
فبارك الله في مال عبد الرحمن حتى مات وعنده امرأتين يوم مات فبلغ ثمن مالهما مائة وستون ألف درهم لكل واحدة منهما ثمانون ألفاً، وتصدّق يومئذ عاصم بن عدي العجلاني بمائة وستين وسقاً من تمر، وجاء أبو عقيل الأنصاري واسمه الحباب بصاع من تمر وقال: يا رسول الله بتُ ليلتي أجرّ بالجرير أحبلا حتى نلت صاعين من تمر فأمسكت أحدهما لأهلي وأتيتك بالآخر فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينثره في الصدقات، فلمزهم المنافقون، وقالوا: ما أعطى عبد الرحمن وعاصم إلاّ رياء، ولقد كان الله ورسوله غنيين عن صاع أبي عقيل، ولكنه أحبَّ أن يزكي نفسه ليعطي الصدقة فأنزل الله عزّ وجلّ: { ٱلَّذِينَ يَلْمِزُونَ } أي يعيبون ويغتابون المطوعين المتبرعين من المؤمنين في الصدقات.
وقال النضر بن شميل: هو الطيب نفسه في الصدقة يعني عبد الرحمن وعاصم.
{ وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ } طاقتهم يعني أبا عقيل. قرأ عطاء والأعرج: جهدهم بفتح الجيم، وهما لغتان مثل الجهد والجهيد، والضم لغة أهل الحجاز، والفتح لغة أهل نجد.
وكان الشعبي يفرق بينهما فيقول الجُهد: في العمل والجَهد في القوة، وقال القتيبي في الجُهد: الطاقة والجَهد المشقة { فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ ٱللَّهُ مِنْهُمْ } أو جازاهم { وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }.
روى ابن عليّة عن الحريري عن أبي العليل قال:
"وقف على الحجر رجل فقال: حدثني أبي أو عمّي قال: شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول: من يصّدق اليوم بصدقة أشهد له بها عند الله يوم القيامة. قال: وعليَّ عمامة لي فنزعت منها لوثاً أو لوثين لأتصدق بها ثم أدركني بما يدرك ابن آدم فعصّبت بها رأسي، قال: فجاء رجل لا أرى بالبقيع رجلا أقصر قامة ولا أشدّ سواد ولا أَدم منه يقود ناقة لم أرَ بالبقيع ناقة أحسن ولا أجمل منها. فقال: هي وما في بطنها صدقة يا رسول الله، فألقى إليه بخطامها قال: فلمزه رجل جالس فقال: والله لِمَ يتصدق بها ولهي خير منه. فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: بل هو خير منك ومنها" ، يقول ذلك ملياً فأنزل الله عزّوجل هذه الآية ثم قال { ٱسْتَغْفِرْ لَهُمْ } يعني لهؤلاء المنافقين { أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ } لفظه [أمر ومعناه] جزاء تقديره: إن أستغفرت لهم أو لم تستغفر لهم { ٱسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ ٱللَّهُ لَهُمْ } والسبعون عند العرب غاية تستقصا بالسبعة، والأعضاء، والسبعة تتمة عدد الخلق، كالسموات والأرض والبحار والأقاليم.
ورأيت في بعض التفاسير: إن تستغفر لهم سبعين مرّة بأزاء صلواتك على [قبر] حمزة لن يغفر الله لهم.
قال الضحاك: لما نزلت هذه الآية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"إنِّ الله قد رخّص لي فسأزيدن على السبعين لعل الله أن يغفر لهم" .
فأنزل الله عزّ وجلّ: { { سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَن يَغْفِرَ ٱللَّهُ لَهُمْ } [المنافقون: 6].
وذكر عروة بن الزبير أن هذه الآيات نزلت في عبد الله بن أُبي حين قال لأصحابه: لولا أنكم تنفقون على محمد وأصحابه لانفضّوا من حوله، ثمّ قال: { لَئِن رَّجَعْنَآ إِلَى ٱلْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ ٱلأَعَزُّ مِنْهَا ٱلأَذَلَّ } [المنافقون: 8]. فأنزل الله تعالى { ٱسْتَغْفِرْ }. فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
"لأزيدن على السبعين" فأنزل الله: { { سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَن يَغْفِرَ ٱللَّهُ لَهُمْ } [المنافقون: 6] فأبى الله أن يغفر لهم { ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْفَاسِقِينَ * فَرِحَ ٱلْمُخَلَّفُونَ } عن غزوة تبوك { بِمَقْعَدِهِمْ } بقعودهم { خِلاَفَ رَسُولِ ٱللَّهِ } قال قطرب والمؤرخ: يعني مخالفة لرسول الله حين سار وأقاموا، وقال أبو عبيدة: يعني بعد رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ).
وأنشد الحرث بن خالد:

عقب الربيع خلافهم فكأنمابسط الشواطب بينهن حصيرا

أي بعدهم، ويدل على هذا التأويل قراءة عمرو بن ميمون: خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم { وَقَالُواْ لاَ تَنفِرُواْ فِي ٱلْحَرِّ } وكانت غزوة تبوك في شدة الحر { قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ } يعلمون ذلك، هُو في مصحف عبد الله { فَلْيَضْحَكُواْ قَلِيلاً } في الدنيا { وَلْيَبْكُواْ كَثِيراً جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } قال أبو موسى الأشعري: إن أهل النار ليبكون الدموع في النار حتى لو أجريت السفن من دموعهم لجرت، ثمّ إنهم ليبكون الدم بعد الدموع ولمثل ماهم فيه فليبكي.
وقال ابن عباس: إن أهل النفاق ليبكون في النار عمر الدنيا فلا يرقأ لهم دمع ولا يكتحلون بنوم.
شعبة عن قتادة عن أنس قال: قال أنس: لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا وبكيتم كثيراً كثيراً { فَإِن رَّجَعَكَ ٱللَّهُ } رجعك الله من غزوة تبوك { إِلَىٰ طَآئِفَةٍ مِّنْهُمْ } يعني من المخلّفين فإنما قال طائفة منهم لأنه ليس كل من تخلّف عن تبوك كان منافقاً { فَٱسْتَأْذَنُوكَ } في أن يكونوا في غزاة أخرى { فَقُلْ } لهم { لَّن تَخْرُجُواْ مَعِيَ أَبَداً وَلَن تُقَاتِلُواْ مَعِيَ عَدُوّاً } عقوبة لهم على تخلّفهم { إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِٱلْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ } بمعنى تخلّفوا عن غزوة تبوك { فَٱقْعُدُواْ مَعَ ٱلْخَالِفِينَ } قال ابن عباس: الرجال الذين تخلفوا بغير عذر.
الضحاك: النساء والصبيان والمرضى والزمنى، وقيل: مع الخالفين. قال الفراء: يقال: عبد خالف وتخالف إذ كان مخالفاً، وقيل: (ضعفاء) الناس ويقال: خلاف أهله إذ كان ذويهم، وقيل مع أهل الفساد من قولهم: خلف الرجل على أهله يخلف خلوفاً إذ فسد، ونبيذ خَالِفٌ أي فاسد (من قولك): خلف اللبن خلوفاً إذا حمض من طول وضعه في السقاء، وخلف فَمُ الصائم إذا تغيَّرت ريحه، ومنه خلف سوء، وقرأ مالك بن دينار: مع المخالفين.
{ وَلاَ تُصَلِّ عَلَىٰ أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَداً } قال المفسرون بروايات مختلفة:
"بعث عبد الله بن أُبي بن سلول إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مريض فلما دخل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: أهلكك يهود، فقال: يارسول الله إني لم أبعث اليك لتؤنبني ولكن بعثت اليك لتستغفر لي وسأله أن يكفنه في قميصه ويصلي عليه، فلما مات عبد الله بن أُبي إنطلق ابنه إلى النبي (عليه السلام) ودعاه إلى جنازة أبيه فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ما اسمك؟ قال: الحباب بن عبد الله فقال صلى الله عليه وسلم: أنت عبد الله بن عبد الله، فإنَّ الحباب هو الشيطان. ثم انطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما قام قال له عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) : يا رسول الله تصلي على عدو الله ابن أُبي القائل يوم كذا وكذا، وجعل يعد أيامه ورسول الله صلى الله عليه وسلم يبتسم حتى إذا أكثر عليه قال: عني يا عمر إنما خيرني الله فاخترت، قيل لي { ٱسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ ٱللَّهُ لَهُمْ } هو أعلم فإن زدت على السبعين غفر له؟؟ ثم شهَّده وكفَّنه في قميصه ونفث في جنازته ودلاه في قبره" .
قال عمر (رضي الله عنه): فعجبت من جرأتي على رسول الله (صلى الله عليه وسلم). فما لبث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلاّ يسيراً حتى نزلت { وَلاَ تُصَلِّ عَلَىٰ أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَداً } { وَلاَ تَقُمْ عَلَىٰ قَبْرِهِ } أي لا تصلي على قبره بمحل لا تتولَّ دفنه: من قولهم قام فلان بأمر فلان إذا كفاه أمره.
{ إِنَّهُمْ كَفَرُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُواْ وَهُمْ فَاسِقُونَ } فما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدها على منافق ولا قام على قبره حتى قبض،
" وعُيَّر رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما فعل بعبد الله بن أبي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وما يغني عنه قميصي وصلاتي من الله والله إني كنت أرجو أن يُسلم به ألف من قومه" .
قال الزجاج: فأسلم ألف من الخزرج لما رأوه يطلب الإستغفار بثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكروا أنّ النبي صلى الله عليه وسلم أسرّ إلى حذيفة أثني عشر رجلا من المنافقين فقال ستة يكفيهم الله بألف مائة شهاب من نار تأخذ كتف أحدهم حتى يفضي إلى صدره، وستة يموتون موتاً. فسأل عمر حذيفة عنهم فقال: ما أنا بمخبرك أحدٌ منهم ما كان حياً. فقال عمر: يا حذيفة أمنهم أنا؟ قال: لا. قال: أفي أصحابي منهم أحد. فقال: رجل واحد. قال: قال: فكأنما دلّ عليهم عمر حتى نزعه من غير أن يخبره به.
{ وَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلاَدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُعَذِّبَهُمْ بِهَا } الآية { وَإِذَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُواْ بِٱللَّهِ وَجَاهِدُواْ مَعَ رَسُولِهِ ٱسْتَأْذَنَكَ أُوْلُواْ ٱلطَّوْلِ مِنْهُمْ } الغني منهم جدّ بن قيس ومعتب بن قشير وأمثالهما { وَقَالُواْ ذَرْنَا نَكُنْ مَّعَ ٱلْقَاعِدِينَ } ورحالهم { رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ ٱلْخَوَالِفِ } يعني النساء { وَطُبِعَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَفْقَهُونَ * لَـٰكِنِ ٱلرَّسُولُ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ جَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُوْلَـٰئِكَ لَهُمُ ٱلْخَيْرَاتُ } يعني الحسنات.
وقال المبرد: يعني الجواري الفاضلات. قال الله تعالى:
{ { فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ } [الرحمن: 70] واحدها الخيرة وهي الفاضلة من كل شيء. قال الشاعر:

ولقد طعنت مجامع الربلاتربلات هند خير الملكاتِ

{ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ * أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُمْ } الآية { وَجَآءَ ٱلْمُعَذِّرُونَ } قرأ ابن عباس وأبو عبد الرحمن والضحاك وحميد ويعقوب ومجاهد وقتيبة: المعذرون خفيفة، ومنهم المجتهدون المبالغون في العذرة، وقال الضحاك: "هم رهط عامر بن الطفيل تخلّفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم تبوك خوفاً على أنفسهم فقالوا: يا رسول الله إن نحن غزونا معك تُغِيرُ أعراب طيّ على حلائلنا وأولادنا ومواشينا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم: قد أنبأني الله من أخباركم وسيغنيني الله عنكم" .
قال ابن عباس: هم الذين تخلفوا بغير إذن رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن الميم لا تدغم في العين، وقرأ مسلمة: المعذرون بتشديد العين والذال ولا وجه لها لأن الميم لا يدغم في العين لبعد مخرجيهما، وقرأ الباقون: بتشديد الذال، وهم المقصرون.
يقال: أعذر في الأمر بالمعذرة وعذر إذا قصر.
وقال الفراء: أصله المعتذر فأُدغمت التاء في الذال وقلبت حركة التاء إلى العين.
{ وَقَعَدَ ٱلَّذِينَ كَذَبُواْ ٱللَّهَ } قراءة العامة بتخفيف الذال يعنون المنافقين، وقرأ أُبي والحسن: كذبوا الله بالتشديد { سَيُصِيبُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } ثم ذكر أهل العذر فقال { لَّيْسَ عَلَى ٱلضُّعَفَآءِ } قال ابن عباس: يعني الزمنى والمشايخ والعجزة { وَلاَ عَلَىٰ ٱلْمَرْضَىٰ وَلاَ عَلَى ٱلَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ } يعني الفقراء { حَرَجٌ } إثم { إِذَا نَصَحُواْ للَّهِ وَرَسُولِهِ } في مغيبهم { مَا عَلَى ٱلْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }.