التفاسير

< >
عرض

أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ إِلاَّ ٱلنَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ
١٦
-هود

الدر المصون

قوله تعالى: { وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا }: يجوز أن يتعلَّقَ "فيها" بـ"حَبِط"، والضميرُ على هذا يعود على الآخرة، أي: وظهر حبوطُ ما صنعوا في الآخرة. ويجوز أن يتعلَّقَ بـ"صنعوا" فالضمير على هذا يعود على الحياة الدنيا كما عاد عليها في قوله { نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا }. و "ما" في "ما صنعوا" يجوز أن تكون بمعنى الذي فالعائدُ محذوفٌ، أي: الذي صنعوه، وأن تكونَ مصدريةً، وحَبِط صُنْعُهم.
قوله: { وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ } الجمهورُ قرؤوا برفع الباطل، وفيه ثلاثة أوجه، أحدها: أن يكونَ "باطل" خبراً مقدماً، و { مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } مبتدأٌ مؤخرٌ. و "ما" تحتمل أن تكن مصدريةً، أي: وباطلٌ كونُهم عاملين، وأن تكونَ بمعنى الذي والعائد محذوف، أي: يعملونه، وهذا على أنَّ الكلامَ من عطفَ الجمل، عَطَفَ هذه الجملةَ على ما قبلها. الثاني: أن يكونَ "باطل" مبتدأً و { مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } خبرُه، هكذا قال مكي بن أبي طالب وهو لا يَبْعُدُ على الغلط، والعجبُ أنه لم يّذْكر غيره. الثالث: أن يكونَ "باطل" عطفاً على الأخبارِ قبله، أي: أولئك باطلٌ ما كانوا يعملون، و { مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } فاعلٌ بـ"باطل"، ويرجح هذا ما قرأ به زيد بن علي: { وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } جعله فعلاً ماضياً معطوفاً على "حَبِط".
وقرأ أُبَيّ وابن مسعود ـ قال مكي: "وهي في مصحفهما كذلك" ـ ونقلها الزمخشري عن عاصم "وباطلاً" نصباً وفيها ثلاثةُ أوجهٍ، أحدُها: أنه منصوبٌ بـ"يعملون" و "ما" مزيدة، وإلى هذا ذهب مكي وأبو البقاء وصاحب "اللوامح"، وفيه تقديمُ معمولِ خبرِ "كان" على "كان" وهي مسألة خلاف، والصحيحُ جوازُها كقوله تعالىٰ:
{ أَهَـٰؤُلاَءِ إِيَّاكُمْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ } [سبأ: 40] فالظاهرُ أن "إياكم" منصوب بـ"يعبدون". والثاني: أن تكونَ "ما" إبهاميةً، وتنتصب بـ"يعملون" ومعناه: "باطلاً أيَّ باطلٍ كانوا يعملون"، والثالث: أن يكون "باطلاً" بمعنىٰ المصدر على بَطَلَ بُطْلاناً ما كانوا يعملون، ذكر هذين الوجهين الزمخشري، ومعنىٰ قوله "ما" إبهامية أنها هنا صفةٌ للنكرة قبلها، ولذلك قَدَّرها بـ"باطلاً أيَّ باطل" فهو كقوله:

2643 ـ .................... وحديثٌ ما على قِصَرِهْ

و "لأمرٍ ما جَدَعَ قصيرٌ أَنْفَه"، وقد قدَّم هو ذلك في قوله تعالىٰ: { مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً } [الزمر: 9].