التفاسير

< >
عرض

قِيلَ يٰنُوحُ ٱهْبِطْ بِسَلاَمٍ مِّنَّا وَبَركَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَىٰ أُمَمٍ مِّمَّن مَّعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ
٤٨
-هود

الدر المصون

قوله تعالى: { قِيلَ يٰنُوحُ }: الخلافُ المتقدم في قوله { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ } [البقرة: 13] وشبهِه عائدُ هنا، أي: في كونِ القائمِ مقامَ الفاعل الجملة المحكيةَ أو ضميرَ مصدرِ الفعل.
قوله: { بِسَلاَمٍ } حال من فاعل "اهبط"، أي: ملتسباً بسلام. و "منا" صفةٌ لـ"سلام" فيتعلَّق بمحذوف أو هو متعلقٌ بنفسِ سلام، وابتداءُ الغايةِ مجازٌ، وكذلك "عليك" يجوز أن يكونَ صفةً لبركات أو متعلقاً بها.
قوله: { مِّمَّن مَّعَكَ } يجوزُ في "مَنْ" أن تكونَ لابتداء الغاية، أي: ناشئة من الذين معك، وهم الأمم المؤمنون إلى آخر الدهر، ويجوزُ أن تكونَ "مِنْ" لبيان الجنس، فيراد الأمم الذين كانوا معه في السفينة، لأنهم كانوا جماعاتٍ. وقُرىء "اهبُط" بضم الباء، وقد تقدم أول البقرة. وقرأ الكسائي ـ فيما نُقِل عنه ـ "وبركة" بالتوحيد.
قوله: { وأُمَمٍ } يجوزُ أَنْ يكونَ مبتدأ، و "سنمتِّعهم" خبره، وفي مسوِّغ الابتداءِ وجهان، أحدهما: الوصفُ التقديري، إذ التقديرُ: وأممٌ منهم، أي: ممَّن معك كقولهم "السَّمْن مَنَوان بدرهم" فمنوان مبتدأٌ وُصِف بـ"منه" تقديراً. والثاني: أنَّ المسوِّغ لذلك التفصيلُ نحو: "الناسُ رجلان: رجلٌ أَهَنْتُ، وآخَرُ أكرمتُ" ومنه قولُ امرىء القيس:

2670 ـ إذا ما بكى مِنْ خَلْفِها انحرفَتْ له بشقٍّ وشِقٌّ عندنا لم يُحَوَّل

ويجوز أن يكونَ مرفوعاً بالفاعلية عطفاً على الضمير المستتر في "اهبط" وأغنى الفصلُ عن التأكيد بالضمير المنفصل، قاله أبو البقاء قال الشيخ: "وهذا التقديرُ والمعنى لا يصلحان، لأن الذين كانوا مع نوح في السفينة إنما كانوا مؤمنين لقوله: "ومَنْ آمنَ" ولم يكونوا كفَّاراً ومؤمنين، فيكون الكفار مأمورِين بالهبوط، إلا إنْ قُدِّر أنَّ مِن المؤمنين مَنْ يكفر بعد الهبوط، وأخبر عنهم بالحال التي يَؤُولون إليها فيمكن على بُعْدٍ". قلت: وقد تقدَّم أنَّ مثلَ ذلك لا يجوز، في قول { ٱسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ } [البقرة: 35] لأمرٍ صناعي، و "سنمتِّعُهم" على هذا صفةٌ لـ"أمم"، والواوُ يجوز أن تكونَ للحال. قال الأخفش: "كما تقول: "كلَّمْتُ زيداً وعمروٌ جالس" ويجوز أن تكونَ لمجردِ النَّسَق".