التفاسير

< >
عرض

قَالَ يٰبُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَىٰ إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْداً إِنَّ ٱلشَّيْطَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ
٥
-يوسف

الدر المصون

قوله تعالى: { لاَ تَقْصُصْ }: قرأ العامَّة بفكِّ الصادّيْن وهي لغةُ الحجاز. وقرأ زيد بن علي بصادٍ واحدة مشدَّدة، والإِدغامُ لغةُ تميمٍ. وقد تقدَّم تحقيقُ هذا في المائدة عند قوله { وَمَن يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ } [المائدة: 54].
والرؤيا مصدرٌ كالبُقْيا. وقال الزمخشري: "الرؤيا بمعنى الرؤية، إلا أنها مختصةٌ بما كان في النوم دون اليقظة، فرَّق بينهما بحَرْفَي التأنيث كما قيل القُرْبَةُ والقُرْبَىٰ".
وقرأ العامَّة "الرُّؤْيا" بهمزٍ مِنْ غير إمالة، وقرأها الكسائي في رواية الدُّوري عنه بالإِمالة. وأمَّا الرؤيا ورؤياي الاثنتان في هذه السورة فأمالهما الكسائي من غير خلافٍ في المشهور، وأبو عمرو يُبْدِلُ هذه الهمزةَ واواً في طريق السوسي. وقال الزمخشري: "وسمع الكسائي "رُيَّاك" و "رِيَّاك" بالإِدغام وضم الراء وكسرها، وهي ضعيفةٌ لأنَّ الواو في تقدير الهمزة فلم يَقْوَ إدغامها كما لم يَقْوَ إدغام "اتَّزر" من الإِزار واتَّجَرَ من الأَجْر" يعني أنَّ العارض لا يُعْتَدُّ به، وهذا هو الغالب. وقد اعتدَّ القُرّاءُ بالعارض في مواضع ستقف بها على أشياءَ إن شاء اللَّهُ نحو "رِيَّا" في قوله
{ أَثَاثاً وَرِءْياً } [مريم: 74] عند حمزة، و { عَاداً ٱلأُولَىٰ } } [النجم: 50].
وأمَّا كسرُ "رِيَّاك" فلئلاَّ يؤدِّي إلى ياء ساكنة بعد ضمة، وأمَّا الضمُّ فهو الأصل، والياءُ صد اسْتُهْلِكَتْ بالإِدغام.
قوله: { فَيَكِيدُواْ } منصوبٌ في جواب النهي وهو في تقدير شرط وجزاء، ولذلك قدَّره الزمخشري بقوله: "إنْ قصصتها عليهم كادوك". و"كَيْداً" فيه وجهان، أحدهما: ـ وهو الظاهر ـ أنه مصدرٌ مؤكدٌ، وعلى هذا ففي اللام في قوله "لك" خمسةُ أوجهٍ، أحدُها: أن يكون "يكيد" ضُمِّن" معنى ما يتعدَّى باللام؛ لأنه في الأصل متعدٍّ بنفسه قال تعالى:
{ فَكِيدُونِي جَمِيعاً } [هود: 55] والتقدير: فيحتالوا لك بالكيد. قال الزمخشري مقرراً لهذا الوجه: "فإنْ قلتَ: هلاَّ قيل: فيكيدوك كما قيل فكيدوني. قلت: ضُمِّن معنى فعلٍ يتعدَّىٰ باللام ليفيدَ معنى فعلِ الكيد مع إفادة معنى الفعل المضمَّن فيكون آكدَ وأَبْلَغَ في التخويف وذلك نحو: فيحتالوا لك، ألا ترى إلى تأكيده بالمصدر".
الوجه الثاني من أوجهِ اللام: أن تكونَ مُعَدِّيةً، ويكون هذا الفعلُ ممَّا يتعدَّىٰ بحرفِ الجر تارةً، وبنفسهِ أخرى كنصح وشكر، كذا قاله الشيخ وفيه نظرٌ، لأنَّ ذاك بابٌ لا يَنْقاس إنما يُقْتصر فيه على ما ذكره النحاةُ ولم يَذْكروا منه "كاد".
الثالث: أن اللامَ زائدةٌ في المفعول به كزيادتها في قوله
{ رَدِفَ لَكُم } قاله أبو البقاء وهو ضعيف؛ لأنَّ اللامَ لا تُزاد إلا بأحد شرطين: تقديم المعمولِ أو كونِ العاملِ فرعاً.
الرابع: أن تكونَ اللامُ للعلة، أي: فيكيدوا من أجلك، وعلى هذا فالمفعولُ محذوفٌ اقتصاراً أو اختصاراً./
الخامس: أن تتعلَّق بمحذوفٍ، لأنها حالٌ مِنْ : "كَيْداً" إذ هي في الأصلِ يجوزُ أن تكونَ صفةً لو تأخَّرَتْ".
الوجه الثاني مِنْ وَجْهَيْ "كَيْداً" أن يكونَ مفعولاً به، أي: فيصنعوا لك كيداً، أي: أمراً يكيدونَك به، وهو مصدرٌ في موضع الاسمِ ومنه
{ فَأَجْمِعُواْ كَيْدَكُمْ } [طه: 64]، أي: ما تكيدون به، ذكره أبو البقاء وليس بالبيِّن، وعلى هذا ففي اللامِ في "لك" وجهان فقط: كونُها صفةً في الأصل ثم صارَتْ حالاً، أو هي للعلة، وأمَّا الثلاثةُ الباقيةُ فلا تتأتَّىٰ وامتناعُها واضح.