التفاسير

< >
عرض

وَمَآ أُبَرِّىءُ نَفْسِيۤ إِنَّ ٱلنَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِٱلسُّوۤءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيۤ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ
٥٣
-يوسف

الدر المصون

قوله تعالى: { إِلاَّ مَا رَحِمَ }: فيه أوجه، أحدُها: أنه مستثنىٰ من الضمير المستكنِّ في "أمَّارَةٌ" كأنه قيل: إن النفس لأمَّارة بالسوءِ إلا نَفْساً رحمها ربِّي، فيكون أراد بالنفس الجنسَ، فلذلك ساغ الاستثناء منها كقولِه تعالى: { إِنَّ ٱلإِنسَانَ لَفِى خُسْرٍ إِلاَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } [العصر: 2-3]، وإلى هذا نحا الزمخشري فإنه قال: "إلا البعضَ الذي رحمه ربي بالعِصْمة كالملائكة" وفيه نظرٌ مِنْ حيث إيقاعُ "ما" على مَنْ يَعْقِلُ والمشهورُ خِلافُه.
والثاني: أنَّ "ما" في معنى الزمان فيكون مستثنى من الزمن العام المقدَّر. والمعنى: إنَّ النفس لأمَّارَةٌ بالسوء في كلِّ وقتٍ وأوانٍ إلا وقتَ رحمةِ ربي إياها بالعِصْمة. ونظرَّه أبو البقاء بقوله تعالى:
{ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰ أَهْلِهِ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ } [النساء: 92]. وقد تقدَّم أن الجمهورَ لا يُجيزون أن تكون "أنْ" واقعةً موقعَ ظرفِ الزمان.
والثالث: أنه مستثنىٰ من مفعول "أمَّارة"، أي: لأمَّارةٌ صاحبَها بالسوءِ إلا الذي رَحِمه اللَّه. وفيه إيقاعُ "ما" على العاقل.
والرابع: أنه استثناءٌ منقطعٌ. قال ابن عطية: "وهو قولُ الجمهور". وقال الزمخشري: "ويجوز أن يكونَ استثناءً منقطعاً، أي: ولكنْ رحمةُ ربي هي التي تَصْرِف الإِساءةَ كقوله:
{ وَلاَ هُمْ يُنقَذُونَ إِلاَّ رَحْمَةً مِّنَّا } [يس: 23].