التفاسير

< >
عرض

إِذْ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَىٰ أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ
٨
-يوسف

الدر المصون

قوله تعالى: { أَحَبُّ إِلَىٰ أَبِينَا }: "أحبُّ" أفعل تفضيل، وهو مبنيٌّ مِنْ "حُبَّ" المبني للمفعول وهو شاذ. وإذا بَنَيْتَ أفعل التفضيل مِنْ مادة الحب والبغض تعدَّى إلى الفاعل المعنوي بـ"إلى"، وإلى المفعولِ المعنويّ باللام أو بـ"في"، فإذا قلت: "زيدٌ أحبُ إليَّ مِنْ بكر" يعني أنك تحب زيداً أكثر من بكر فالمتكلم هو الفاعلُ، وكذلك: "هو أبغض إليَّ منه" أنت المُبْغِض، وإذا قلت: زيدٌ أحبُّ لي مِنْ عَمْروٍ، أو أَحَبُّ فيَّ منه، أي: إنَّ زيداً يحبُّني أكثر من عمرو. وقال امرؤ القيس:

2740 ـ لَعَمْري لَسَعْدٌ حيث حُلَّت ديارُه أحبُّ إلينا منكَ فافرسٍ حَمِرْ

وعلى هذا جاءَتِ الآيةُ الكريمة، فإنَّ الأبَ هو فاعل المحبَّة. واللام في "ليوسف" لامُ الابتداء أفادَتْ توكيداً لمضمون الجملة، وقوله: "أحبُّ" خبر المثنىٰ، وإنما لم يطابِقْ لِما عَرَفْتَ مِنْ حكم أفعلَ التفضيل.
والواو في "ونحن عصبةٌ" للحال، فالجملةُ بعدها في محل نصب على الحال. والعامَّةُ على رفع "عُصْبة" خبراً لـ"نحن". وقرأ أمير المؤمنين بنصبها على أن الخبر محذوف، والتقدير: نحن نُرى أو نجتمع فيكون "عصبة" حالاً، إلا أنه قليلٌ جداً، وذلك لأن الحال لا تَسُدُّ مَسَدَّ الخبر إلا بشروطٍ ذكرها النحاة نحو "ضَرْبي زيداً قائماً"، و "أكثر شُرْبي السَّوِيْقَ ملتوتاً". قال ابن الأنباري: "هذا كما تقول العرب: "إنما العامريُّ عِمَّتَه" أي: يتعمَّم عِمَّته".
قال الشيخ: "وليس مثلَه لأنَّ "عصبة" ليس بمصدرٍ ولا هيئةٍ، فالأجودُ أن يكونَ من باب "حُكْمُك مُسَمَّطاً". قلت: ليس مرادُ ابنِ الأنباري إلا التشبيهَ من حيث إنه حَذَف الخبر وسَدَّ شيءٌ آخرُ مَسَدَّه في غير المواضع المنقاسِ فيها ذلك، ولا نَظَر لكونِ المنصوب مصدراً أو غيرَه. وقال المبرد: "هو من باب "حُكْمُك مُسَمَّطاً" أي:/ لك حكمُك مُسَمَّطاً، قال الفرزدق: "يا لَهْذَمُ حُكمك مُسَمَّطاً" أراد: لك حكمُك مُسَمَّطاً، قال: "واسْتُعْمل هذا فَكَثُرَ حتى حُذِف استخفافاً لعلم ما يريد القائل كقولك: "الهلالُ واللَّهِ" أي: هذا الهلال". والمُسَمَّط: المُرْسَلُ غير المردودِ. وقدَّره غيرُ المبرد: حُكْمُك ثَبَتَ مُسَمَّطاً. وفي هذا المثالِ نظرٌ؛ لأنَّ النحويين يجعلون مِنْ شَرْط سَدِّ الحالِ مَسَدَّ الخبرِ أن لا يَصْلُحَ جَعْلُ الحال خبراً لذلك المبتدأ نحو: "ضربي زيداً قائماً" بخلاف: "ضربي زيداً شديدٌ"، فإنها تُرْفع على الخبرية، و تَخْرج المسألة من ذلك، وهذه الحال أعني مُسَمَّطاً يَصْلُحُ جَعْلُها خبراً للمبتدأ، إذ التقدير: حُكْمُكَ مُرْسَلٌ لا مَرْدُود، فيكون هذا المَثَلُ على ما قَرَّرْتُه مِنْ كلامهم شاذاً.
والعُصْبة: ما زاد على عشرة، عن ابن عباس، وعنه: ما بين عشرةٍ إلى أربعين. وقيل: الثلاثة نفر، فإذا زاد على ذلك إلى تسعة فهم رَهْط، فإذا بلغوا العشرة فصاعداً فعُصْبة. وقيل: ما بين الواحد إلى العشرة. وقيل من عشرة إلى خمسة عشر. وقيل: ستة. وقيل: سبعة. والمادة تدلُّ على الإِحاطة من العِصابة لإِحاطتها بالرأس.