التفاسير

< >
عرض

أَفَمَنْ هُوَ قَآئِمٌ عَلَىٰ كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَجَعَلُواْ لِلَّهِ شُرَكَآءَ قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي ٱلأَرْضِ أَم بِظَاهِرٍ مِّنَ ٱلْقَوْلِ بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ مَكْرُهُمْ وَصُدُّواْ عَنِ ٱلسَّبِيلِ وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ
٣٣
-الرعد

الدر المصون

قوله تعالى: { أَفَمَنْ هُوَ قَآئِمٌ }: "مَنْ" موصولةٌ، صلتُها "هو قائم" والموصولُ مرفوعٌ بالابتداء، وخبرُه محذوفٌ تقديرُه: كمَنْ ليس كذلك مِنْ شركائِهم التي لا تَضُرُّ ولا تنفع. ودلَّ على هذا المحذوفِ قولُه { وَجَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَآءَ } ونحوُه قولُه تعالى: { { أَفَمَن شَرَحَ ٱللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ } [الزمر: 22] تقديره: كَمَنْ قَسا قلبُه، يَدُلُّ عليه { فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِّن ذِكْرِ ٱللَّهِ } وإنما حَسَّن حَذْفَه كونُ الخبرِ مقابلاً للمبتدأ. وقد جاء منفياً كقولِه { { أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ } [النحل: 17] { { أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ ٱلْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَىٰ } [الرعد: 19].
قوله: { وَجَعَلُواْ } يجوز أن يكونَ استئنافاً وهو الظاهرُ، جيءَ به للدلالةِ على الخبرِ المحذوفِ كما تقدم تقريرُه. وقال الزمخشري: "ويجوز أَن يُقَدَّر ما يقع خبراً للمبتدأ، ويُعْطَفَ عليه و"جعلُوا"، وتمثيلُه: أفَمَنْ هو بهذه الصفةِ لم يوحِّدوه،/ وجعلوا له وهو اللهُ الذي يستحقُّ العبادةَ وحدَه شركاءَ. قال الشيخ: " وفي هذا التوجيهِ إقامةُ الظاهر مُقامَ المضمر في قوله "وجعلوا لله: أي له"، وفيه حَذْفُ الخبرِ عن المقابل، وأكثرُ ما جاء هذا الخبرُ مقابلاً". وقيل: الواو للحال والتقدير: اَفَمَنْ هو قائمٌ على نفسٍ موجودٌ، والحالُ أنهم جعلوا له شركاءَ، فَأُقيم الظاهرُ -وهو الله- مُقامَ المضمرِ، تقريراً للإِلهية وتصريحاً بها.
وقال ابن عطيَّة: "ويظهر أن القولَ مرتبطٌ بقوله: { وَجَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَآءَ } كأن التقديرَ: أَفَمَنْ له القدرةُ والوحدانيةُ، ويُجْعَلُ له شريكٌ، أَهْلٌ أن ينتقمَ ويعاقِبَ أم لا". وقيل: "وجعلوا" عطفٌ على "استُهزِئ" بمعنى: ولقدِ استهزَؤُوا وجعلوا.
وقال أبو البقاء: "وهو معطوفٌ على "كَسَبَت"، أي: وبجَعْلِهم لله شركاءَ".
قوله: { أَمْ تُنَبِّئُونَهُ } أم هذه منقطعةٌ مقدَّرةٌ بـ "بل" والهمزةِ، والاستفهامُ للتوبيخ: بل أتُنَبِّئونه شركاء لا يعلمهم في الأرض، ونحوُه:
{ { قُلْ أَتُنَبِّئُونَ ٱللَّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي ٱلأَرْضِ } [يونس: 18]، فجعل الفاعلَ ضميراً عائداً على الله، والعائدُ على "ما" محذوفٌ، تقديرُه: بما لا يعلمُهُ اللهُ، وقد تقدَّم في تلك الآيةِ أنَّ الفاعلَ ضميرٌ يعودُ على "ما" وهو جائزٌ هنا أيضاً.
قوله: { أَم بِظَاهِرٍ } الظاهرُ أنها منقطعة. و "الظاهر" هنا قيل: الباطلُ. وأنشدوا:

2862- أَعَيَّرْتَنا ألبانَها ولحومَها وذلك عارٌ يا بنَ رَيْطَةَ ظاهِرُ

أي باطِلٌ، وفَسَّره مجاهدٌ "بكذبٍ" وهو موافقٌ لهذا. وقيل: "أم" متصلةٌ، أي: اتنبئونه بظاهرٍ لا حقيقةَ له.
قوله: { وَصُدُّواْ } قرأ الكوفيون "وصُدُّوا" مبنياً للمفعول، وفي غافر
{ { وَصُدَّ عَنِ ٱلسَّبِيلِ } [الآية: 37] كذلك. وباقي السبعة مبنيِّين للفاعل. و "صَدَّ" جاء لازماً ومتعدياً فقراءةُ الكوفةِ من المتعدِّي فقط، وقراءةُ الباقين تتحمل أن يكونَ من المتعدِّي ومفعولُه محذوفٌ، أي: وصَدُّوا غيرَهم أو أنفسَهم، وأن يكونَ مِنَ اللازم، أي: أَعْرَضوا وتَوَلَّوا.
وقرأ ابنُ وثاب "وصِدُّوا" و { وصِدَّ عن السبيل } بكسرِ الصاد، وهو مبنيٌّ للمفعول، اجراه مُجْرى قِيْل وبِيْع، فهو كقراءة { رِدَّت إلينا }، [وقوله:]

2863- وما حِلَّ مِنْ جهلٍ حُبا حُلَمائِنا .....................

وقد تقدم.