التفاسير

< >
عرض

ٱللَّهِ ٱلَّذِي لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَوَيْلٌ لِّلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ
٢
-إبراهيم

الدر المصون

قوله تعالى: { ٱللَّهِ ٱلَّذِي }: قرأ نافعٌ وابن عامرٍ برفعِ الجلالةِ والباقون - ورواها الأصمعيُّ عن [نافع]- بالجرِّ.
فأمَّا الرفعُ فعلى وجهين، أحدُهما: أنه مبتدأٌ، خبرُه الموصولُ بعده، أو محذوفٌ تقديرُه: اللهُ الذي له ما في السماواتِ وما في الأرضِ العزيزُ الحميد، حُذِف لدلالة ما تقدَّم. والثاني: أنه خبرُ مبتدأ مضمر، أي: هو اللهُ، وذلك على المدح.
وأمَّا الجرُّ فعلى البدلِ عند أبي البقاء والحوفي وابنِ عطية، والبيان عند الزمخشري قال: "لأنه جَرَى مَجْرَى الأسماءِ الأعلام لغلبتِه على المعبودِ بحق كالنجم للثريا". قال الشيخ: "وهذا التعليلُ لا يتمُّ إلا أن يكونَ أصلُه الإِله، ثم فُعِل فيه ما تقدَّم أولَ هذا الموضوع". وقال الأستاذ ابن عصفور: "ولا تُقََدَّمُ صفةٌ على مَوصوفٍ إلا حيث سُمِع، وهو قليلٌ، وللعربِ فيه وجهان، أحدُهما: أنْ تتقدَّمَ الصفةُ بحالها، وفيه إعرابان للنحويين، أحدُهما: أن تُعْرَبَ صفةً متقدمةً. والثاني: أن يُجعل/ الموصوفُ بدلاً من صفتِه. الثاني من الأولين: أن تُضيفَ الصفةَ إلى الموصوف. فعلى هذا يجوز أن يُعْرَبَ { ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَمِيدِ } صفةً متقدِّمة، ومِنْ مجيء تقديمِ الصفةِ قولُه:

2865- والمُؤْمِنِ العائذاتِ الطيرِ يَمْسَحُها رُكْبانُ مكةَ بين الغِيل والسَّنَدِ

وقول الآخر:

2866- وبالطويل العُمْرِ عُمْراً حَيْدَراً

يريد: الطير العائذات، وبالعمر الطويل. قلت: وهذا فيما لم يكنِ الموصوفُ نكرةً، أمَّا إذا كان نكرةً صار لنا عملٌ آخرُ: وهو أن تنتصبَ تلك الصفةُ على الحال.
قوله: { وَوَيْلٌ } جاز الابتداءُ به لأنه دعاء كـ "سلامٌ عليكم". و "للكافرين" خبره. و { مِنْ عَذَابٍ } متعلِّقٌ بالويل. ومنعه الشيخ. لأنه يَلْزَمُ منه الفصلُ بين المصدرِ ومعمولِه، وقد تقدَّم لك بحثٌ في ذلك: وهو أنَّ ذلك ممنوعٌ حيث يتقدَّر المصدرُ بحرفٍ مصدريٍّ وفِعْلٍ، ولذلك جَوَّزوا تعلُّقَ
{ { بِمَا صَبَرْتُمْ } [الرعد: 24] بـ "سلام" ولم يَعْترضوا عليه بشيء، وقد تقدَّم ذلك في السورةِ قبلها، ولا فرقَ بين الموضعين.
وقال الزمخشريُّ: "فإنْ قلتَ: ما وجهُ اتصالِ قولِه: { مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ } بالويل؟ قلت: لأنَّ المعنى يُوَلْوِلون من عذاب شديد". قال الشيخ: "فظاهره يدلُّ على تقدير عاملٍ يتعلَّقُ به { مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ }. ويجوز أنْ يتعلَّقَ بمحذوفٍ لأنه صفةٌ للمبتدأ، وفيه سَلامةٌ من الاعتراضِ المتقدم، ولا يَضُرُّ الفصلُ بالخبر.