التفاسير

< >
عرض

وَيَقُولُ ٱلإِنسَانُ أَءِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيّاً
٦٦
-مريم

الدر المصون

قوله: { أَإِذَا مَا مِتُّ }: "إذا" منصوبةٌ بفعلٍ مقدرٍ مدلولٍ عليه بقوله تعالى { لَسَوْفَ أُخْرَجُ } تقديرُه: إذا مِتُّ أُبْعَثُ أو أُحيا. ولا يجوز أن يكونَ العاملُ فيه "أُخْرِج" لأنَّ ما بعد لام الابتداء لا يعمل فيما قبلها. قال أبو البقاء: "لأنَّ ما بعد اللامِ وسوف لا يَعْمل فيما قبلها كإنَّ" قلت: قد جَعَلَ المانعَ مجموعَ الحرفين: أمَّا اللامُ فمُسَلَّمٌ، وأمَّا حرفُ التنفيسِ فلا مَدْخَلَ له في المنع؛ لأنَّ حرفَ التنفيسِ يَعْمَلُ ما بعده فيما قبله. تقول: زيداً سأضرب، وسوف أضرب، ولكنْ فيه خلافٌ ضعيفٌ، والصحيحُ الجوازُ، وأنشدوا عليه:

3247- فلمَّا رَأَتْع أمُّنا هانَ وَجْدُها وقالت: أبونا هكذا سوف يَفْعَلُ

فـ"هكذا" منصوب بـ"يَفْعَل" بعد حرف التنفيس.
وقال ابن عطية: واللامُ في قوله: "لَسَوْف" مجلوبةٌ على الحكاية لكلامٍ تقدَّم بهذا المعنى، كأنَّ قائلاً قال للكافر: إذا مِتَّ يا فلان لسوف تُخْرَجُ حَيَّاً، فقرَّر الكلامَ على الكلام على جهةِ الاستبعادِ، وكرَّر اللامَ حكايةً للقول الأول".
قال الشيخ: "ولا يُحتاج إلى هذا التقدير، ولا أن هذا حكايةُ لقولٍ تقدَّمَ، بل هو من كلامِ الكافرِ، وهو استفعامٌ فيه معنى الجحدِ والاستبعادِ".
وقال الزمخشري: "لامُ الابتداءِ الداخلةُ على المضارع تعطي معنى الحالِ فكيف جامَعَتْ حرفَ الاستقبال؟ قلت: لم تجامِعْها إلا مُخْلِّصَةً للتوكيد كما أَخْلَصَت الهمزةُ في "يا الله" للتعويض، واضمحلَّ عنها معنى التعريف". قال الشيخ: "وما ذَكَرَ مِنْ أنَّ اللامَ تعطي الحالَ مخالَفٌ فيه، فعلى مذهبِ مَنْ لا يرى ذلك يُسْقط السؤال. وأمَّا قولُه: "كما أَخْلَصَت الهمزة" فليس ذلك إلا على مذهبِ مَنْ يزعم أنَّ أصلَه إلاه، وأمَّا مِنْ يزعم أنَّ أصله: لاه، فلا تكون الهمزةُ فيه للتعويضِ؛ إذ لم يُحْذَفْ منه شيءٌ، ولو قلنا: إن أصلَه إلاه، وحُذِفَتْ فاءُ الكلمة، لم يتعيَّنْ أنَّ الهمزةَ فيه في النداء للتعويض، إذ لو كانَتْ عوضاً من المحذوف لَثَبَتَتْ دائماً في النداء وغيرِه، ولَمَات جاز حذفُها في النداء، قالوا: "يا الله" بحَذْفِها، وقد نَصُّوا على أن [قطعَ] همزةِ الوصل في النداء شاذ".
وقرأ الجمهور "أإذا" بالاستفهامِ وهو استبعادٌ كما تقدَّم. وقرأ ابن ذكوان بخلافٍ عنه وجماعةٌ "إذا" بهمزةٍ واحدة على الخبر، أو للاستفهامِ وحذَف أداتَه للعلمِ بها، ولدلالةِ القراءةِ الأخرى عليها.
وقرأ طلحة بن مصرف "لَسَأَخْرَجُ" بالسين دون سوف، هذا نَقْلُ الزمخشريِّ عنه، وغيرُه نَقَل عنه "سَأَخْرُج" دونَ لامِ ابتداء، وعلى هذه القراءةِ يكونُ العاملُ في الظرف نفسَ "أُخْرَج"، ولا يمنع حرفُ التنفيسِ على الصحيح.
وقرأ العامَّةُ "أُخْرَجُ" مبنياً للمفعول. والحسن وأبو حيوة "أَخْرِجُ" مبنياً للفاعل. و"حَيَّاً" حالٌ مؤكِّدة لأنَّ مِنْ لازمِ خروجِه أن يكونَ "حَيَّاً" وهو كقولِه:
{ { أُبْعَثُ حَيّاً } [مريم: 33].
وقرأ نافع وابن عامر وعاصم وجماعة "يَذْكُرُ" مخففاً مضارعَ "ذكر"، والباقون بالتشديد مضارعَ تَذَكَّر، والأصل "يتذكَّر" فأُدْغِمَتْ التاءُ في الذال. وقد قرأ بهذا الأصلِ وهو يَتَذَكَّر: أُبَيُّ.