التفاسير

< >
عرض

وَنَضَعُ ٱلْمَوَازِينَ ٱلْقِسْطَ لِيَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَىٰ بِنَا حَاسِبِينَ
٤٧
-الأنبياء

الدر المصون

قوله: { ٱلْقِسْطَ }: في نصب "القِسْطَ" وجهان أحدهما: أنه نعتٌ للموازين، وعلى هذا: فلِمَ أُفْرِد؟ وعنه جوابان، أحدهما: أنه في الأصلِ مصدرٌ، والمصدر يوحَّد مطلقاً. والثاني: أنَّه على حَذْفِ مضاف. الوجه الثاني: أنه مفعولٌ من أجله أي: لأجلِ القسطِ. إلاَّ أنَّ في هذا نظراً من حيث إن المفعولَ له إذا كان معرَّفاً بأل يَقِلُّ تجرُّده من حرف العلة تقول: جئتُ للإِكرام، ويَقِلُّ: جئت الإِكرامَ، كقول الآخر:

3344ـ لا أَقْعُدُ الجبنَ عن الهَيْجاءِ ولو توالَتْ زُمَرُ الأعداءِ

وقرىء "القِصْطَ" بالصاد لأجل الطاء، وقد تقدم.
قوله: { لِيَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ } في هذه اللام أوجه، أحدها: قال الزمخشري: "مثلُها في قولك: جِئْتُ لخمسٍ خَلَوْنَ من الشهر، ومنه بيتُ النابغة.

3345ـ تَوَهَّمْتُ آياتٍ لها فَعَرَفْتُها لستةِ أعوام وذا العامُ سابعُ

والثاني: أنها بمعنى في. وإليه ذهب ابن قتيبة وابن مالك. وهو رأيُ الكوفيين ومنه عندهم: { لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَآ إِلاَّ هُوَ } [الأعراف: 187] وكقول مسكين الدارمي:

3346ـ أولئك قومي قد مضَوْا لسبيلِهم كما قد مضى مِنْ قبلُ عادٌ وتُبَّعُ

وكقول الآخر:

3347ـ وكلُّ أبٍ وابنٍ وإنْ عُمِّرا معاً مُقِيْمَيْنِ مفقودٌ لوقتٍ وفاقدُ

والثالث: أنَّها على بابِها مِنَ التعليل، ولكنْ على حَذْفِ مضاف.
أي: لحسابِ يومِ القيامة.
قوله: { شَيْئاً } يجوز أن يكون مفعولاً ثانياً، وأن يكون مصدراً، أي: شيئاً من الظلم.
قوله: { مِثْقَال } قرأ نافعٌ هنا وفي لقمان برفع "مِثْقال" على أنَّ "كان" تامة، أي: وإنْ وُجِد مثقال. والباقون بالنصب على أنَّها ناقصةٌ، واسمها مضمر أي: وإنْ [كان] العملُ. و{ مِّنْ خَرْدَلٍ } صفةٌ لحَبَّة.
وقرأ العامَّة "أَتَيْنَا" من الإِتيان بقَصْرِ الهمزة أي: جِئْنا بها، وكذا قرأ ابن مسعود وهو تفسيرُ معنى لا تلاوة. وقرأ ابنُ عباس ومجاهدٌ وسعيد وابن أبي إسحاق والعلاء بن سيابة وجعفر بن محمدٍ "آتَيْنا" بمدِّ الهمزة وفيها أوجهٌ، أحدُها: ـ وهو الصحيحُ ـ أنه فاعَلْنا من المؤاتاة وهي المجازاةُ والمكافَأَة. والمعنىٰ: جازَيْنا بها، ولذلك تَعَدَّىٰ بالباء. الثاني: أنها مُفاعَلَةٌ من الإِتيان بمعنى المجازاة والكافأةِ لأنهم أَتَوْه بالأعمال وأتاهم بالجزاءِ، قاله الزمخشري. الثالث: أنه أفْعَل من الإِيتاء. كذا توهَّمَ بعضُهم وهو غلطٌ. قال ابن عطية: "ولو كان آتَيْنا أعطينا لَما تعدَّى بحرفِ جرّ. ويُوْهِنُ هذه القراءةَ أنَّ بدلَ الواوِ المفتوحةِ همزةً ليس بمعروفٍ، وإنما يُعْرَفُ ذلك في المضمومةِ والمكسورة" يعني أنَّه كان مِنْ حَقِّ هذا القارىءِ أَنْ يَقْرَأَ "واتَيْنا" مثل واظَبْنا؛ لأنها من المُواتاةِ على الصحيح، فأبدل هذا القارِىءُ الواوَ المفتوحةًَ همزةَ. وهو قليلٌ ومنه أَخَذَ "واتاه".
وقال أبو البقاء: "ويُقرأ بالمدِّ بمعنى جازَيْنا بها، فهو يَقْرُبُ مِنْ معنى أَعْطَيْنا؛ لأنَّ الجزاءَ إعطاءٌ، وليس منقولاً مِنْ أَتَيْنا، لأن ذلك لم يُنْقَلْ عنهم.
وقرأ حميد "أَثَبْنا" من الثواب. والضمير في "بها" عائد على المِثْقال، وأنَّث ضميرَه لإِضافتِه لمؤنث فهو كقوله:

3348ـ .............................كما شَرِقَتْ صدرُ القناةِ من الدَّمِ

في اكتسابِه بالإِضافةِ التأنيثَ.