التفاسير

< >
عرض

وَوَصَّيْنَا ٱلإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَآ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ
٨
-العنكبوت

الدر المصون

قوله: { حُسْناً }: فيه أوجهٌ، أحدُها، أنه نعتُ مصدرٍ محذوفٍ أي إيصاءً حُسْناً: إمَّا على المبالغةِ، جُعِل نفسَ الحُسْن، وإمَّا على حَذْفِ مضاف أي: ذا حُسْن. الثاني: أنه مفعولٌ به. قال ابنُ عطية: "وفي ذلك تَجَوَّزٌ. والأصلُ: ووَصَّيْنا الإِنسانَ بالحُسْن في فِعْله مع والدَيْه. ونظيرُ هذا قولُ الشاعر:

3634- عَجِبْتُ مِنْ دَهْماءَ إذ تَشْكُوْنا ومِنْ أبي دَهْماءَ إذ يُوصِيْنا

خيراً بنا كأنَّنا جافُونا

ومثلُه قولُ الحطيئة:

3635- وَصَّيْتُ مِنْ بَرَّةَ قلباً حُرَّاً بالكَلْبِ خيراً والحَماةِ شَرَّاً

وعلى هذا فيكونُ الأصلُ: وصَّيْناه بحُسْنٍ في أَمْرِ والدَيْه ثم جُرَّ الوالدان بالباء فانتصَبَ "حُسْناً"، وكذلك البيتان. والباءُ في الآية والبيتين في هذه الحالةِ للظرفيةِ.
الثالث: أنَّ "بوالديه" هو المفعولُ الثاني: فينتصبُ "حُسْناً" بإضمار فعلٍ أي: يَحْسُن حُسْناً، فيكونُ مصدراً مؤكداً. كذا قيل. وفيه نظرٌ؛ لأنَّ عاملَ المؤكِّد لا يُحْذَفُ. الرابع: أنَّه مفعولٌ به على التضمينِ أي: أَلْزَمْناه حُسْناً. الخامس: أنَّه على إسقاطِ الخافض أي: بحُسْنٍ. وعبَّر صاحب "التحرير" عن ذلك بالقطع. السادس: أنَّ بعضَ الكوفيين قَدَّره: ووصَّيْنا الإِنسانَ أَنْ يَفْعَلَ بوالديه حُسْناً. وفيه حَذْفُ "أنْ" وصلتِها وإبقاءُ معمولِها. ولا يجوزُعند البصريين. السابع: أنَّ التقديرَ: ووصَّيْناه بإيتاءِ والدَيْه حُسناً. وفيه حَذْفُ المصدرِ، وإبقاءُ معمولِه. ولا يجوزُ. الثامن: أنَّه منصوبٌ انتصابَ "زيداً" في قولِك لمَنْ رأيتَه مُتَهيِّئاً للضَرْب: زيداً أي: اضرِبْ زيداً. والتقديرُ هنا: أَوْلِهما حُسْناً أو افعلْ بهما حُسْناً. قالهما الزمخشري.
وقرأ عيسى والجحدري/ "حَسَناً" بفتحتين، وهما لغتان كالبُخْلِ والبَخَل، وقد تقدَّم ذلك أوائل البقرة.