التفاسير

< >
عرض

وَلِيُمَحِّصَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَيَمْحَقَ ٱلْكَافِرِينَ
١٤١
-آل عمران

الدر المصون

وقوله تعالى: { وَلِيُمَحِّصَ }: معطوفٌ على "لِيَعْلَمَ" وتكونُ الجملةُ من قولِه: { وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلظَّالِمِينَ } جملةً معترضةً بين هذه العللِ. والتمحيصُ: التخليص من الشيء، وقيل: المَحْص كالفحص، ولكنّ الفحصَ يقال في إبراز شيء من أثناء ما يَخْتلط به وهو منفصل، والمَحْصُ يُقال في إبرازه عمَّا هو متصلٌ به، يقال: مَحَصْتُ الذهبَ ومَحَّصْتُه إذا أزلتُ عنه ما يَِشُوبه من خَبَثٍ. ومَحَصَ الثوبَ: إذا أَزال عنه زِئْبَرَه، ومحص الحَبْلُ أي أخلق حتى ذهب عنه زِئْبَرُه، ومَحَص الظبيُ: عدا، فَمَحَصَ بالتخفيفِ يكون قاصراً ومتعدِّياً، هكذا رَوَى الزجاج هذه اللفظةَ: "الحَبْل"، ورواها النقاش: "مَحَصَ الجملُ" إذا ذهبَ وَبَرُه/ وأَمْلَسَ، والمعنيان واضحان.
وقال الخليل: "التمحيص: التخليصُ من الشيء المَعِيب. وقيل: هو الابتلاءُ والاختبارُ" وأنشد:

1443ـ رأيْتُ فُضَيْلاً كان شيئاً مُلَفَّفَاً فكشَّفَه التمحيصُ حتى بداليا

وروى الواحدي عن المبرد بسند متصلٍ: مَحَص الحبلُ يَمْحَصُ مَحْصاً إذا ذهب زِئْبَرُه حتى تَمَلَّص، وحَبْلٌ محيصٌ ومليص بمعنى واحد. قال: "يُسْتَحَبُّ في الفرس أن تَمَحَصَ قوائمُه أي: تَخْلُص، وأنشد ابن الأنباري على ذلك يصف فرساً:

1444ـ صُمِّ النُّسورِ صِحاحٍ غيرِ عاثِرَةٍ رُكِّبْنَ في مَحِصاتٍ مُلْتَقَى العَصَبِ

أي: في قوائمَ متجرداتٍ من اللحم ليس فيها إلا العَظْمُ والعَصَبُ والجِلْد. قال المبردُ: "ومعنى قولِ الناس: "مَحِّصْ عَنَّا ذنوبنا" أي أَذْهِبْ ما تعلَّق بنا من الذنوب". قال الواحدي: "وهذا الذي قاله المبرد تأويلُ المَحَصِ بفتح الحاء وهو واقعٌ، والمَحْص بسكونِ الحاء مصنوعٌ، قال الخليل: "يقال مَحَصْتُ الشيءَ أَمْحَصُه مَحَصاً إذا أَخْلَصْتَه من كلِّ عيب" وفي جَعْلِه تسكينَ الحاءِ مصنوعاً نظرٌ، لأنَّ أهلَ اللغةِ نَقَلُوه ساكنها، وهو قياسُ مصدر الثلاثي. ومَحَصْتُ السيفَ والسِّنان: جَلَوْتُهما حتى ذهب صَدَؤُهما. قال أسامة الهذلي:

1445ـ وشَقُّوا بمَمْحوص السِّنانِ فؤادَه ...........................

أي: بمَجْلُوِّ، ومنه استعير ذلك في وَصْفِ الحبل بالملاسَةِ والبَريق. قال رؤبة يصف فرساً:

1446ـ شديدُ جَلْزِ الصُّلْبِ مَمْحُوصُ السَّوَى

والسَّواء: الظهر، قَصَره ضرورةً، سُمِع: "فَعَلْتُه حتى انقطع سَواي" أي ظهري. وقد تقدَّمت مادة "مَحَق" في البقرة.