التفاسير

< >
عرض

ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِّن بَعْدِ ٱلْغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاساً يَغْشَىٰ طَآئِفَةً مِّنْكُمْ وَطَآئِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِٱللَّهِ غَيْرَ ٱلْحَقِّ ظَنَّ ٱلْجَٰهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ ٱلأَمْرِ مِن شَيْءٍ قُلْ إِنَّ ٱلأَمْرَ كُلَّهُ للَّهِ يُخْفُونَ فِيۤ أَنْفُسِهِم مَّا لاَ يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ ٱلأَمْرِ شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَٰهُنَا قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ ٱلَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ ٱلْقَتْلُ إِلَىٰ مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ ٱللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ
١٥٤
-آل عمران

الدر المصون

قوله تعالى: { أَمَنَةً نُّعَاساً }: في نَصْبِ كلٍّ منهما أربعة أوجه، الأولُ من وجوه "أَمَنَةً": أنها مفعولُ "أَنْزَل". الثاني: أنها حال من "نُعاساً" لأنها في الأصل صفةُ نكرةٍ فلمَّا قُدِّمتْ نُصِبَتْ حالاً. الثالث: أنها مفعولٌ من أجله، وهو فاسدٌ لاختلالِ شرطٍ وهو اتحادُ الفاعل، فإنَّ فاعل "أَنْزل" غيرُ فاعلِ الأمَنةِ. الرابع، أنه حالٌ من المخاطبين في "عليكم"، وفيه حينئذٍ تأويلان: إمَّا على حَذْفِ مُضافٍ أي: ذوي أمنةٍ، وإمَّا أن يكونَ "أَمَنَةً" جمعَ "آمِن" نحو: بار وبَرَرة، وكافِر وكَفَرة.
وأَمَّا "نُعاساً" فإنْ أَعْربنا "أمنةً" مفعولاً به كان بدلاً، وهو بدلُ اشتمال، لأنَّ كلاًّ مِنْ الأمنةِ والنعاس يشتمل على الآخر، أو عطفَ بيانٍ عند غيرِ الجمهور، فإنهم لا يشترطون جريانَه في المعارف، أو مفعولاً من أجلِه وهو فاسدٌ بما تقدَّم، وإنْ أَعْرَبْنا "أمنةً" حالاً كان مفعولاً بـ"أَنْزل" عطفٌ على قولِه: "فأثابكم"، وفاعلُه ضميرُ اللهِ تعالى، وأل في "الغمّ" للعهدِ، لتقدُّم ذِكْرِه.
ورَدَّ الشيخ على الزمخشري كونَ "أمنةً" مفعولاً له بما تقدَّم، وفيه نظرٌ، فإنَّ الزمخشري قال: "أو مفعولاً له بمعنى: نَعِسْتُمْ أَمَنَةً" فقدَّر له عاملاً يتَّحِدُ فاعلُه مع فاعل "أمنةً" فكأنه استشعر السؤالَ، فلذلك قَدَّر عاملاً، على أنه قد يُقال: إنَّ الأمَنة من الله تعالى، بمعنى أنه أَوْقَعها بهم، كأنه قيل: أنزل عليكم النُّعاس ليُؤْمِنَكم به، و"أمنة" كما تكون مصدراً لمِنْ وَقَع به الأمن تكونُ مصدراً لِمَنْ أَوْقعه.
وقرأ [الجمهور: "أَمَنَةً" بفتح الميم: إمَّا مصدراً بمعنى الأمن، أو جمع "آمِن" على ما تقدَّم تفصيله. والنخعي وابن محيصن] بسكون الميم، وهو مصدرٌ فقط، وكلاهما للمَرَّة.
قوله: { يَغْشَىٰ } قرأ حمزة والكسائي بالتاء من فوق، والباقون بالياء من تحت، وخَرَّجوا قراءةَ حمزة والكسائي على أنها صفةُ لـ"أمَنَة" مراعاةً لها. ولا بُدَّ من تفصيلٍ وهو: إنْ أَعْرَبوا "نُعاساً" بدلاً أو عطفَ بيان أَشْكَلَ قولُهم مِنْ وجهين، أحدُهما: أنَّ النحاةَ نَصُّوا على أنه إذا اجتمع الصفةُ والبدلُ أوعطفُ البيان، قُدِّمتِ الصفةُ وأُخِّر غيرُها. وهنا قد قَدَّموا البدلَ أو عطفَ البيانِ عليها. والثاني: أن المعروفَ في لغة العرب أن تُحَدِّث عن البدل لا عن المبدل منه تقول: "هندٌ حسنُها فاتِنٌ" ولا يجوزُ: "فاتنةٌ" إلا قليلاً، فَجَعْلُهم "نُعاساً" بدلاً من "أمنة" يَضْعُفُ بهذا، فإنْ قيل: قد جاءَ مراعاةُ المبدلِ منه في قوله:

1471ـ فكأنه لَهِقُ السَّراةِ كأنه ما حاجِبَيْهِ مُعَيَّنٌ بِسَوادِ

فقال: "مُعَيَّن" مراعاةً للهاء في "كأنه"، ولم يراعِ البدلَ وهو "حاجَبْيه" ومثلُه قولُه:

1472ـ إنَّ السيوفَ غُدُوَّها ورَواحَها تَرَكَتْ هوازنَ مثلَ قَرْن الأعْضَبِ

فقال: "تَرَكَتْ" مراعاةً للسيوف، ولو راعَى البدلَ لقال: "تركا". فالجواب: أن هذا ـ وإنْ كان قد قال به بعض النحويين مستنداً إلى هذين البيتين ـ مؤولٌ بأنَّ "مُعَيَّن" خبرٌ عن "حاجبيه" لجريانهما مَجْرى الشيء الواحدِ في كلام العرب، وأنَّ نَصْبَ "غدوها ورواحها" على الظرفِ لا على البدل، وقد تقدَّم لنا شيء من هذا عند قوله: { عَلَى ٱلْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ } [البقرة: 102].
وإنْ أَعربوا "نُعاساً" مفعولاً من أجلِه لَزِم الفصلُ بين الصفة والموصوفِ بالمفعولِ له، وكذا إنْ أَعْربوا "نعاساً" مفعولاً به، و"أَمَنَةً" حالاً يلزم الفصلُ أيضاً، وفي جوازه نظرٌ. والأحسنُ حينئذٍ أن تكونَ هذه الجملةُ استئنافيةً جواباً لسؤالٍ مقدر، كأنه قيل: ما حكمُ هذه الأمَنَة؟ فأخبرَ بقوله "تَغْشى"، ومَنْ قرأ بالياء أعاد الضمير على "نُعاساً" وتكون الجملةُ صفةً له. و"منكم" صفة لـ"طائفة" فيتعلق بمحذوف.
قوله: { وَطَآئِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ } في هذه الواو ثلاثةُ أوجهٍ، أحدُها: أنَّها واوُ الحالِ، وما بعدها في محلِّ نصب على الحالِ، والعاملُ فيها "يَغْشىٰ", والثاني: أنها واوُ الاستئنافِ، وهي التي عَبَّر عنها مكي بواوِ الابتداءِ، والثالث: أنها بمعنى "إذ" ذكره مكي وأبو البقاء وهو ضعيفٌ. و"طائفةٌ" مبتدأ، والخبرُ "قد أَهَمَّتْهُمْ أنفسُهم"، وجاز الابتداءُ بالنكرةِ لأحد شيئين: إمَّا للاعتماد على واوِ الحال، وقد عَدَّه بعضُهم مُسَوِّغاً، وإنْ كان الأكثرُ لم يذكروه، وأنشد:

1473ـ سَرَيْنا ونجمٌ قد أضاءَ فمذْ بدا مُحيِّاكِ أَخْفَى ضَوْءُه كلَّ شارِقِ

وإمَّا لأنَّ الموضعَ موضعُ تفصيلٍ، فإنَّ المعنى: يَغْشى طائفةً، وطائفةٌ لم يَغْشَهم، فهو كقولِه:

1474ـ إذا ما بكىٰ مِنْ خَلْفِها انصرَفَتْ له بشِقٍّ وشِقٌّ عندنا لم يُحَوَّلِ

ولو قُرىء بنصب "طائفةً" على أن تكونَ المسألةُ من باب الاشتغال لم يكن ممتنعاً إلا من جهة النقل فإني لم أحفظه قراءة.
وفي خبر هذا المبتدأ أربعة أوجه، أحدها: أنه "قد أَهَمَّتْهُم" كما تقدم، الثاني: أنه "يظنون" والجملةُ قبلَه صفةٌ لـ"طائفة". الثالث: أنه محذوفٌ، أي ومنكم طائفة وهذا يُقَوِّي أنَّ معناه التفصيل، والجملتان صفتان لـ"طائفة"، أو يكونُ "يظنون" حالاً من مفعول "أهمَّتْهم" أو مِنْ "طائفة" لتخصُّصه بالوصف، أو خبراً بعد خبر إنْ قلنا إنَّ "قد أهمتهم" خبرٌ أولُ، وفيه من الخلافِ ما مَضَى غيرَ مرة. الرابع: أنَّ الخبر "يقولون"، والجملتان قبلَه على ما تقدَّم من كونهما صفتين أو خبرين، أو إحداهما خبرٌ والأخرى حالٌ، ويجوزُ أَنْ يكون "يقولون" صفةً، أو حالاً أيضاً إنْ قلنا: إنَّ الخبرَ الجملة التي قبله، أو قلنا إنَّ الخبرَ مضمر.
وقوله: { يَظُنُّونَ } له مفعولان، فقال أبو البقاء: "غيرَ الحق" مفعولٌ أولُ أي: أمراً غير الحق، و"بالله" هو المفعول الثاني. وقال الزمخشري: "غير الحق" في حكم المصدر، ومعناه: يَظُنُّون باللهِ غيرَ الحق الذي يجب أن يُظَّنَّ به، و"ظنَّ الجاهلِية"، بدلٌ منه، ويجوز أن يكونَ المعنى: "يظنون باللهِ ظَنَّ الجاهلِية"، و"غيرَ الحق" تأكيدٌ لـ"يظنون" كقولِك: "هذا القولُ غيرُ ما تقول"، فَعَلى ما قال لا يتعدَّى "ظنَّ" إلى مفعولين، بل تكونُ الباءُ ظرفيةً للظن، كقولك: "ظننت بزيد" أي: جعلْتُه مكانَ ظنِّي"، وعلى هذا المعنى حَمَل النحويين قوله:

1475ـ فقلت لهم ظُنُّوا بألفَيْ مُدَجَّجٍ سَراتُهمُ في الفارسِيِّ المُسَرَّدِ

أي: اجعلوا ظنكم في أَلفَي مُدَجَّج. وتحصَّل في نصب "غير الحق" وجهان، أحدهما: أنه مفعولٌ أولُ لـ"يظنون". والثاني: أنه مصدرٌ مؤكِّدٌ للجملةِ التي قبلَه بالمعنيين اللذين ذكرهما الزمخشري.
وفي نصب "ظنَّ الجاهليةَ" وجهان أيضاً: البدلُ من "غيرَ الحق"، أو أنه مصدرٌ مؤكد لـ"يظنون"، و"بالله": إمَّا متعلق بمحذوف على جَعْله/ مفعولاً ثانياً، وإمَّا بفعل الظن على ما تقدم, وإضافةُ "الظن" إلى "الجاهلية" قال الزمخشري: "كقولك: "حاتمُ الجودِ، ورجلُ صدقٍ" يريد الظنَّ المختصَّ بالملةِ الجاهلية، ويجوز أن يراد: ظنَّ أهلِ الجاهلية" وقال غيرُه: "المعنى: المدة الجاهلية أي: القديمة قبل الإِسلام نحو: حَمِيَّة الجاهلية".
قوله: { هَل لَّنَا مِنَ ٱلأَمْرِ مِن شَيْءٍ }: "مِنْ" في "من شيء" زائدةٌ في المبتدأ، وفي الخبر وجهان، وأصحُّهما أنه "لنا"، فيكون "من الأمر" في محلِّ نصب على الحال من "شيء" لأنه نعت نكرةٍ قُدِّم عليها فينتصبُ حالاً. ويتعلق بمحذوف. والثاني: ـ أجازه أبو البقاء ـ أن يكون "من الأمر" هو الخبر، و"لنا" تبيين، وبه تتِمُّ الفائدةُ كقولِه:
{ وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } [الإخلاص: 4]، وهذا ليس بشىء لأنه إذا جعله للتبيين فحينئذ يتعلَّق بمحذوف، وإذا كان كذلك فيصير "لنا" من جملةٍ أخرى، فتبقى الجملة من المبتدأ أو الخبر غيرَ مستقلة بالفائدة، وليس نظيراً لقوله: { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } فإن "له" فيها متعلِّق بنفس "كفواً" لا بمحذوفٍ، وهو نظيرُ: "لم يكن أحد قائلاً لبكر" فـ"لبكر" متعلق بنفس الخبر.
وهل هذا الاستفهامُ على حقيقتِه؟ فيه وجهان أظهرهما: نعم، ويعنون بالأمر: النصرَ والغلبةَ. والثاني: أنه بمعنى النفي، كأنهم قالوا: ليس لنا من الأمر ـ أي النصر ـ شيءٌ، وإليه ذهب قتادة وابن جريج، ولكن يضعف هذا بقوله: { قُلْ إِنَّ ٱلأَمْرَ كُلَّهُ للَّهِ } فإنَّ مَنْ نَفَى عن نفسِه شيئاً لا يُجاب بأَنْ يُثْبَتَ لغيرِه، لأنه مُقِرٌّ بذلك، اللهم إلا أَنْ يُقَدِّر جملةً أخرى ثبوتيةً مع هذه الجملةِ فكأنهم قالوا: ليس لنا من الأمر شيء، بل لِمَنْ أَكْرَهَنا على الخروج، وحَمَلَنا عليه، فحينئذ يَحْسُن الجواب بقوله { قُلْ إِنَّ ٱلأَمْرَ كُلَّهُ للَّهِ } لقولهم هذا.
وهذه الجملةُ الجوابيةُ اعتراضٌ بين الجمل التي جاءت بعد قوله: { وَطَآئِفَةٌ } فإنَّ قولَه: { يُخْفُونَ فِيۤ أَنْفُسِهِم } وكذا "يقولون" الثانية: إمَّا خبرٌ عن "طائفة" أو حال مِمَّا قبلها.
وقرأ الجماعة "كلَّه" بالنصب، وفيه وجهان، أظهرهما: أنه تأكيدٌ لاسم "إن". والثاني ـ حكاه مكي عن الأخفش ـ أنه بدلٌ منه، وليس بواضحٍ. و"لله" خبرُ "إنْ". وقرأ أبو عمرو: "كلُّه" رفعاً وفيه وجهان، أشهرُهما: أنه رفع بالابتداء، و"لله" خبرُه، والجملةُ خبرُ "إنَّ" نحو: "إنَّ مالَ زيد كلُّه عنده". والثاني: أنه توكيدٌ على المحلِّ، فـ"إنَّ" اسمُها في الأصل مرفوعٌ بالابتداء، وهذا مذهبُ الزجاج والجرميّ، يُجْرون التوابع كلها مُجْرى عطفِ النسق، فيكونُ "لله" خبراً لـ"إنَّ" أيضاً. و"يُخْفون": إمَّا خبرُ لـ"طائفة" أو حالٌ مِمَّا قبله كما تقدم. وأما "يقولون" فيحتمل هذين الوجهين، ويحتمل أَنْ يكون تفسيراً لقوله "يُخْفون" فلا محلَّ له حينئذ.
وقوله: { مَّا قُتِلْنَا } جوابُ "لو"، وجاء على الأفصحِ: فإنَّ جوابَها إذا كان منفياً بـ"ما" فالأكثر عدمُ اللامِ، وفي الإِيجاب بالعكس. وقوله: { لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ ٱلأَمْرِ شَيْءٌ } كقوله: { هَل لَّنَا مِنَ ٱلأَمْرِ مِن شَيْءٍ } وقد عُرِف الصحيحُ من الوجهين.
وقد أَعْرَب الزمخشري هذه الجملَ الواقعة بعد قوله: { وَطَآئِفَةٌ } إعراباً أفضى إلى خروجِ المبتدأ بلا خبر، ولا بد من إيراد نَصِّه ليتبيَّنَ ذلك، قالرحمه الله : "فإنْ قلت كيف مواقعُ هذه الجمل التي بعد قوله: "وطائفة"؟ قلت: "قد أهَمَّتْهُمْ" صفةٌ لـ"طائفة" و"يظنون" صفةٌ أخرى أو حال، بمعنى: قد أهمَّتْهم أنفسهم ظانِّين، أو استئناف على وجه البيان للجملةِ قبلها، و"يقولون" بدلٌ من "يظنون". فإن قلت: كيف صَحَّ أن يقع ما هو مسألةٌ عن الأمر بدلاً من الإِخبار بالظن؟ قلت: كانت مسألتهم صادرةً عن الظن فلذلك جاز إبدالُه منه، و"يُخفون" حال من "يقولون"، و{ قُلْ إِنَّ ٱلأَمْرَ كُلَّهُ للَّهِ } اعتراضٌ بين الحال وذي الحال، و"يقولون" بدلٌ من "يُخْفون"، والأجودُ أَنْ يكون استئنافاً" انتهى كلامه. وهذا من أبي القاسم بناءً على أن الخبر محذوف كما قَدَّمْتُ لك تقريرَه [في]: "ومنكم طائفةٌ" لأنه موضعُ تفصيل.
قوله: { لَبَرَزَ } جاء على الأفصح، وهو ثبوت اللام في جوابها مثبتاً، والجمهورُ "لبرز" مخففاً مبيناً للفاعل، وأبو حيوة: "لبُرِّز" مشدداً مبنياً للمفعول، عدَّاه بالتضعيف. وقرىء "كَتَب" مبنياً للفاعل وهو الله تعالى، "القتلَ" مفعولاً به، والحسن: "القتالُ" رفعاً.
قوله: { وَلِيَبْتَلِيَ } فيه خمسةُ أوجه، أحدُها: أنه متعلقٌ بفعلٍ قبله، تقديرُه: فَرَض اللهُ عليكم القتالَ ولم ينصُرْكم يومَ أُحد ليبتلي ما في صدوركم وقيل: بفعلٍ بعده، أي: ليبتلي فَعَلَ هذه الأشياء. وقيل: الواوُ زائدةٌ واللام متعلقة بما قبلها، وقيل: "وليبتلي" عطفٌ على "ليبتلي" الأولى، وإنما كُرِّرت لطولِ الكلام، فعُطِف عليه "وليمحِّص" قاله ابن بحر. وقيل: هو عطفٌ على علةٍ محذوفةٍ تقديرُه: ليقضي اللهُ أمرَه وليبتلي، وجَعَلَ متعلَّقَ الابتلاءِ ما انطوى عليه الصدورُ، والذي انطوى عليه الصدر هو القلب، لقوله:
{ ٱلْقُلُوبُ ٱلَّتِي فِي ٱلصُّدُورِ } [الحج: 46]، وجَعَل متعلَّقَ التمحيص ـ وهو التصفية ـ ما في القلب وهو النيَّاتُ والعقائد.