التفاسير

< >
عرض

هُمْ دَرَجَـٰتٌ عِندَ ٱللَّهِ وٱللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ
١٦٣
-آل عمران

الدر المصون

قوله تعالى: { هُمْ دَرَجَاتٌ }: مبتدأُ وخبرٌ، ولا بُدَّ من تأويل في الإِخبار بالدرجات عن "هم" لأنها ليست إياهم، فيجوزُ أَنْ يكونَ جُعِلوا نفسَ الدرجاتِ مبالغةً، والمعنى: أنَّهم متفاوتون في الجزاءِ على كَسْبهم، كما أنَّ الدرجاتِ متفاوتةٌ، والأصلُ على التشبيه أي:/ هم مثلُ الدرجات في التفاوت، ومنه قوله:

1489ـ أنَصْبٌ للمنيَّةِ تَعْتَرِيهمْ رجالي أم هُمُ دَرَجُ السُّيولِ

ويجوزُ أَنْ يكونَ على حذفِ مضافٍ أي: ذوو درجات أي: أصحاب منازلَ ورتبٍ في الثوابِ العقاب.
وأجاز ابن الخطيب أن يكونَ الأصلُ: "لهم درجات" فحُذفت اللام، وعلى هذا يكونُ "درجاتٌ" مبتدأ ما قبلَها الخبرُ. وقد رَدَّ عليه بعضُ الناس، وجَعَل هذا مِنْ جَهْلِهِ وجهلِ متبوعيه من المُفَسِّرين بلسانِ العربِ وقال: "لا مساغَ لحذفِ اللامِ البتة، لأنها إنما تُحْذَفُ في مواضعَ يُضْطَرُّ إليها، وهنا المعنى واضحٌ مستقيمٌ مِنْ غيرِ تقديرِ حَذْفٍ"، ولعَمْري إنَّ ادِّعاء حذفِ اللامِ خطأٌ، والمخطيءُ معذورٌ، ولكن قد نُقِل عن المفسرين هذا، ونُقل عن ابن عباس والحسن: "لكلٍّ درجاتٌ من الجنةِ والنار"، فإنْ كان هذا القائل أَخَذَ من هذا الكلامِ أنَّ اللامَ محذوفةٌ فهو مخطىء، لأنَّ هؤلاء ـ رضي الله عنهم ـ يُفَسِّرون المعنى لا الإِعرابَ اللفظي. وقرأ النخعي: "درجةٌ" بالإِفراد عل الجنس.
و"عند الله" فيه وجهان، أحدُهما: أَنْ يتعلَّق بـ"درجات" على المعنى لِما تضمَّنت من معنى الفعل، كأنه قيل: هم متفاضلون عند الله، وأَنْ يتعلق بمحذوفٍ صفةً لدرجات، فيكونَ في محل رفع.