التفاسير

< >
عرض

سَيَقُولُ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَآ أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ كَذٰلِكَ كَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِم حَتَّىٰ ذَاقُواْ بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَآ إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ ٱلظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إَلاَّ تَخْرُصُونَ
١٤٨
-الأنعام

الدر المصون

وقوله تعالى: { وَلاَ آبَاؤُنَا }: عطف على الضمير المرفوع المتصل/ ولم يأتِ هنا بتأكيد بضمير رفع منفصل ولا فاصل بين المتعاطفين اكتفاءً بوجود "لا" الزائدة للتأكيد فاصلة بين حرف العطف والمعطوف، وهذا هو على قواعد البصريين. وأمَّا الكوفيون فلا يشترطون شيئاً من ذلك وقد تقدَّم إتقان هذه المسألة.
وفي هذه الآية لم يُؤَّكَّد الضمير وفي آية النحل أكَّد فقال تعالى:
{ { مَا عَبَدْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ نَّحْنُ وَلاۤ آبَاؤُنَا } [النحل: 35]، وهناك أيضاً قال "من دونه" مرتين وهنا قالها مرة واحدة فقال الشيخ: "لأنَّ لفظَ العبادة يَصِحُّ أن ينسب إلى إفراد الله بها، وهذا ليس بمستنكرٍ، بل المستنكرُ عبادةُ غير الله أو شيءٍ مع الله فناسب هنا ذكر "من دونه" مع العبادة، وأمَّا لفظ "ما أشركنا" فالإِشراك يدلُّ على إثبات شريك فلا يتركَّب مع هذا الفعلِ لفظُ "من دونه" لو كان التركيب في غير القرآن "ما أشركنا مِنْ دونه" لم يصِحَّ المعنى، وأمَّا "من دونه" الثانية فالإِشراك يدلُّ على تحريم أشياء وتحليل أشياء فلم يَحْتَجْ إلى لفظ "من دونه" وأمَّا لفظ العبادة فلا يدلُّ على تحريم شيء كما يدل عليه لفظ "أشرك" فقيَّد بقوله "من دونه"، ولمَّا حَذَفَ "مِنْ دونِه" هنا ناسب أن يحذف "نحن" ليطَّرِدَ التركيب في التخفيف". قلت: وفي هذا الكلام نظرٌ لا يَخْفى. وقوله "من شيء": "مِنْ" زائدة في المفعول أي: ما حَرَّمنا شيئاً، و "مِنْ دونه" متعلق بحرَّمْنا أي: ما حرَّمنا من غير إذنه لنا في ذلك. و "كذلك" نعت لمصدر محذوف أي: مثل التكذيب المشار إليه في قوله "فإن كَذَّبوك". وقرئ "كَذَب" بالتخفيف.
وقوله: { حَتَّىٰ ذَاقُواْ } جاء به لامتداد التكذيب أو الكذب، وقوله "مِنْ علم": يحتمل أن يكون مبتدأ و "عندكم" خبر مقدم، وأن يكون فاعلاً بالظرف لاعتماده على الاستفهام، و "مِنْ" زائدة على كلا التقديرين. وقرأ النخعي وابن وثاب "إن يتَّبعون" بياء الغيبة، قال ابن عطية: "وهذه قراءة شاذة يُضَعِّفها قولُه { وَإِنْ أَنتُمْ إَلاَّ تَخْرُصُونَ } يعني أنه أتى بعدها بالخطاب فبَعُدَتْ الغيبةُ. وقد يُجاب عنه بأن ذلك من باب الالتفات.