التفاسير

< >
عرض

قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّيۤ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ
١٦١
-الأنعام

الدر المصون

قوله تعالى: { دِيناً }: نصبه من أوجه، أحدها: أنه مصدر على المعنى أي: هداني هداية دين قيم، أو على إضمار "عَرَّفني ديناً" أو الزموا ديناً. وقال أبو البقاء: "إنه مفعول ثان لهداني، وهو غلط؛ لأن المفعول الثاني هنا هو المجرور بإلى فاكتفى به. وقال مكي: إنه منصوب على البدل من محل "إلى صراط". وقيل: بهداني مقدرةً لدلالة "هداني" الأول عليها، وهو كالذي قبله في المعنى.
وقرأ الكوفيون وابن عامر: "قِيَماً" بكسر القاف وفتح الياء خفيفة والباقون بفتحها وكسر الياء شديدة، وتقدَّم توجيه إحدى القراءتين في/ النساء والمائدة. و "مِلَّة" بدل من "ديناً" أو منصوب بإضمار أعني. و "حنيفاً" قد ذكر في البقرة.
وقرأ نافع ومَحْيايْ بسكون ياء المتكلم وفيها الجمع بين ساكنين. قال الفارسي كقوله "التقت حَلْقتا البطان"ولفلان ثلثا المال" يعنون الألفين. وقد طعن بعض الناس على هذه القراءة بما ذكرت من الجمع بين الساكنين، وتعجَّبْتُ من كون هذا القارئ يحرِّك ياء "مماتي" ويُسَكِّن ياء "مَحْياي". وقد نقل بعضهم عن نافع الرجوع عن ذلك. قال أبو شامة: "فينبغي أن لا يَحِلَّ نَقْلُ تسكين ياء "محياي" عنه". وقرأ نافع في رواية "محيايِ" بكسر الياء وهي تُشْبه قراءة حمزة في
{ { بِمُصْرِخِيَّ } [إبراهيم: 22] وستأتي إن شاء الله تعالى. وقرأ ابن أبي إسحاق وعيسى الجحدري: ومَحْيَيَّ" بإبدال الألف ياء وإدغامها في ياء المتكلم، وهي لغة هذيل، وقد أنشدْتُ عليها قول أبي ذؤيب:

2138ـ سبقوا هَوَيَّ وأعنقوا لهواهُمُ فَتُخُرِّمُوا ولكلِّ جَنْبٍ مَصْرَعُ

في سورة البقرة. ومن هنا إلى آخر السورة إعرابُه ظاهر لِما تكرر من النظائر. وأكَّد قوله "لغفور" باللام دلالةً على سَعة رحمته، ولم يؤكد سرعة العقاب بذلك هنا وإن كان قد أكد ذلك في سورة الأعراف، لأن هناك المقامَ مقامُ تخويف وتهديد وبعد ذكر قصة المعتدين في السبت وغيره فناسب تأكيدَ العقاب هناك، وأتى بصفتي الغفران والرحمة، ولم يأت في جانب العقاب إلا بصفة واحدة دلالة على حلمه وسَعَة مغفرته ورحمته.