التفاسير

< >
عرض

إِنَّ ٱللَّهَ فَالِقُ ٱلْحَبِّ وَٱلنَّوَىٰ يُخْرِجُ ٱلْحَيَّ مِنَ ٱلْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ ٱلْمَيِّتِ مِنَ ٱلْحَيِّ ذٰلِكُمُ ٱللَّهُ فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ
٩٥
-الأنعام

الدر المصون

قوله تعالى: { فَالِقُ ٱلْحَبِّ }: يجوز/ أن تكون الإِضافة محضةً على أنه اسم فاعل بمعنى الماضي لأن ذلك قد كان، ويدل عليه قراءة عبد الله "فلق" فعلاً ماضياً، ويجوز أن تكون الإِضافةُ غيرَ محضة على أنه بمعنى الحال أو الاستقبال، وذلك على حكاية الحال، فيكون "الحَبِّ" مجرورَ اللفظ منصوب المحل. والفِلْق: هو شِقُّ الشيء، وقيده الراغب بإبانة بعضِه من بعض، والفَلَق: المطمئنُّ مِنَ الأرض بين الرَّبْوَتين، والفلَق من قوله { أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ } [الفلق: 1] ما علَّمه لموسى عليه السلام حتى فلق به البحر. وقيل: الصبح. وقيل: هي الأنهار المشارُ إليها بقوله: { وَجَعَلَ خِلاَلَهَآ أَنْهَاراً } [النمل: 61] والفِلْق بالكسر بمعنى المفلوق كالنِّكث والنِّقض، ومنه: "سمعته من فِلْق منه" وقيل: الفِلْق العَجَبُ، والفَليق والفالِقُ ما بين الجبلين وما بين السنامين من البعير، وفسَّر بعضهم "فالق" هنا بمعنى خالق، قيل: ولا يُعرفُ هذا لغةً، وهذا لا يُلتفت إليه لأن هذا منقول عن ابن عباس والضحاك أيضاً، لا يقال ذلك على جهة التفسير للتقريب، لأن الفراء نَقَل في اللغة أن فَطَر وخلق وفلق بمعنى واحد.
[والنَّوى اسم جنسٍ مفرده نواة على حدّ] قمح وقمحة. والنوى: البعد أيضاً، ويقال: نوت البُسْرة وأنْوَتْ: اشتدَّت نواتها، ولام "النواة" ياء لأنَّ عينَها واو، والأكثر التغاير.
قوله: "يُخْرج" يجوز فيه وجهان أحدهما: أنها جملة مستأنفة فلا محل لها. والثاني: أنها في موضع رفع خبراً ثانياً لـ إنَّ، وقوله "ومُخْرِج" يجوز فيه وجهان أيضاً، أحدهما: أنه معطوف على فالق - ولم يذكر الزمخشري غيره - أي: الله فالق ومخرج، أخبر عنه بهذين الخبرين، وعلى هذا فيكون "يخرج" على وجهه، وعلى كونه مستأنفاً يكون معترضاً على جهة البيان لِما قبله من معنى الجملة. والثاني: أن يكون معطوفاً على "يخرج"، وهل يُجعل الفعل في تأويل اسم ليصح عَطْفُ الاسم عليه، أو يُجعل الاسم بتأويل الفعل ليصحَّ عطفه عليه؟ احتمالان مبنيان على ما تقدم في "يخرج": إن قلنا إنه مستأنف فهو فعل غير مؤول باسم، فيُرَدُّ الاسم إلى معنى الفعل، فكأن مُخْرِجاً في قوة يُخْرج، وإن قلنا: إنه خبر ثان لـ "إنَّ" فهو بتأويل اسم واقعٍ موقع خبر ثان، فلذلك عُطِفَ عليه اسم صريح، ومِنْ عَطْفِ الاسم على الفعل لكون الفعل بتأويل اسم قولُ الشاعر:

2002ـ فألفيتُه يوماً يُبير عدوَّه ومُجْرٍ عطاءً يَسْتَخِفُّ المعابرا

وقوله:

2003ـ يا رُبَّ بيضاءَ من العواهجِ أمِّ صبيّ قد حَبَا أو دارج

وقوله:

2004ـ بات يُغَشِّيها بعَضْبٍ باترٍ يَقْصِدُ في أَسْوُقِها وجائِرُ

أي: مبيراً، أو أمِّ صبي حابٍ، وقاصِدٍ.