التفاسير

< >
عرض

إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ ٱلشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ
٢٠١
-الأعراف

الدر المصون

قوله تعالى: { طَائِفٌ }: قرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائي: "طَيْفٌ" والباقون "طائف" بزنة فاعل. فأمَّا طَيْف ففيه ثلاثة أوجه، أحدُها: أنه مصدرٌ مِنْ طاف يَطيف كباع يبيع، وأنشد أبو عبيدة:

2371ـ أنَّى ألمَّ بك الخيالُ يَطيفُ ومَطافُه لك ذُكْرَةٌ وشُعُوفُ

والثاني: أنه مخففٌ من فَيْعِل، والأصل: طَيِّف بتشديد الياء فحذف عين الكلمة كقولهم في ميّت مَيْت وفي ليّن ليْن وفي هيّن هيْن. ثم طَيّف الذي هو الأصل يحتمل أن يكون مِنْ طاف يطيف أو من طاف يطوف، والأصل: طَيْوِف فقلب وأدغم وهذا قول أبي بكر بن الأنباري. والثالث: أن أصله طَوْف من طاف يطوف، فقلبت الواو ياءً. قال أبو البقاء: "قلبت الواو ياءً وإن كانت ساكنة كما قلبت في أَيْد وهو بعيد" قلت: وقد قالوا أيضاً في حَوْل: حَيْل، ولكن هذا من الشذوذ بحيث لا يُقاس عليه. وقوله "وإن كانت ساكنة" ليس هذا مقتضياً لمنع قلبها ياء بل كان ينبغي أن يُقال: وإن كان ما قبلها غيرَ مكسورٍ.
وأمَّا طائفٌ فاسمُ فاعل، يُحْتمل أن يكون مِنْ طاف يطوف فيكون كقائم وقائل، وأن يكونَ مِنْ طاف يطيف فيكون كبائع ومائل. وقد زعم بعضُهم أنَّ طَيْفاً وطائفاً بمعنى واحد ويُعزى للفراء، فيحتمل أن يَرُدَّ طائفاً لطَيْف فيجعلهما مصدرين. وقد جاء فاعِل مصدراً كقولهم: "أقائماً وقد قعد الناس" وأن يَرُدَّ طيفاً لطائف، أي: فيجعله وَصْفاً على فَعْل.
وقال الفارسي: "الطيف كالخَطْرة، والطائف كالخاطر" ففرَّق بينهما. وقال الكسائي: "الطَّيْف: اللَّمَم، والطائف ما طاف حول الإِنسان". قال ابن عطية: "وكيف هذا وقد قال الأعشى:

2372ـ وتُصْبح مِنْ غِبِّ السُّرَى وكأنما ألمَّ بها من طائفِ الجنِّ أولقُ

ولا أدري ما تَعَجُّبُه؟ وكأنه أخذ قوله "ما طافَ حول الإِنسان" مقيَّداً بالإِنسان، وهذا قد جعله طائفاً بالناقة، وهي سَقْطة لأن الكسائي إنما قاله اتفاقاً لا تقييداً. وقال أبو زيد الأنصاري: "طافَ: أقبل وأدبر يَطُوف طَوْفاً وطَوَافاً، وأطاف: استدار القومُ من نواحيهم. وطاف الخيالُ: أَلَمَّ، يَطيف طَيفاً" فقد فرَّق أبو زيد بين ذي الواو وذي الياء، فخصَّص كلَّ مادة بمعنى. وفرَّق أيضاً بين فعل وأفعل كما رأيت.
وزعم السُّهَيْلي أنه لا يُسْتعمل مِنْ "طاف الخيال" اسم فاعل قال: "لأنه تخيُّلٌ لا حقيقة له". قال: "فأمَّا قوله تعالى:
{ { فَطَافَ عَلَيْهَا طَآئِفٌ مِّن رَّبِّكَ } [القلم: 19] فلا يقال فيه طَيْف لأنه اسمُ فاعل حقيقةً. وقال حسان:

2373ـ جِنِّيَّةٌ أرَّقَني طيفُها تَذْهَبُ صُبْحاً وتُرى في المنامْ

وقال السدِّي: "الطَّيْفُ: الجنون، والطائف: الغضب"، وعن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ هما بمعنى واحد وهو النَّزْغ.