التفاسير

< >
عرض

وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ ٱلْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّن ٱلْعَالَمِينَ
٨٠
-الأعراف

الدر المصون

قوله تعالى: { وَلُوطاً }: فيه وجهان أحدهما: أنه منصوب بأَرْسَلْنا الأول، و "إذا" ظرفٌ للإِرسال. والثاني: أنه منصوبٌ بإضمار "اذكر". وفي العامل في الظرفِ حينئذٍ وجهان، أحدهما: ـ وهو قول الزمخشري ـ أنه بدلٌ من "لوطاً" قال: "بمعنى: واذكر وقتَ إذ قال لقومه" وهذا على تسليمِ تصرُّفِ "إذ". والثاني: أن العاملَ فيها مقدَّرٌ تقديرُه: واذكر رسالةَ لوطٍ إذ قال. فإذ منصوب برسالة. قاله أبو البقاء، والبدلُ حينئذٍ بدلُ اشتمال.
قوله: { مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ } في هذه الجملةِ وجهان، أحدهما: أنها مستأنفةٌ لا محلَّ لها من الإِعراب. وعلى الاستئنافِ يُحتمل أن تكونَ جواباً لسؤال وأَنْ لا تكونَ. قال الزمخشري: "فإن قلت: ما موضعُ هذه الجملة؟ قلت: لا مَحَلَّ لها لأنها مستأنفة، أنكر عليهم أولاً بقوله: { أَتَأْتُونَ ٱلْفَاحِشَةَ } ثم وبَّخهم عليها فقال: أنتم أولُ مَنْ عَمِلَها. أو تكونُ جواباً لسؤال مقدَّر، كأنهم قالوا: لِمَ لا تأتيها؟ فقال: ما سبقكم بها أحدٌ فلا تفعلوا ما لم تُسْبَقوا به".
والباء في "بها" فيها وجهان، أظهرهُما: أنها حاليةٌ أي: ما سَبَقكمْ أحدٌ مصاحِباً لها أي: ملتبساً بها. والثاني: أنها للتعديةِ. قال الزمخشري: "الباءُ للتعدية مِنْ قولك: "سَبَقْته بالكُرة" إذا ضربْتَها قبله. ومنه قوله عليه السلام:
"سبقك بها عُكاشة" . قال الشيخ: "والتعديةُ هنا قلقةٌ جداً؛ لأنَّ الباءَ المعدِّية في الفعل المتعدي لواحد [هي] بجَعْل المفعولِ الأولِ يَفْعل ذلك الفعلَ بما دَخَلَتْ عليه الباءُ فهي كالهمزة، وبيان ذلك أنك إذا قلت: "صَكَكْتُ الحجرَ بالحجر" كان معناه: أَصْكَكْت الحجرَ أي: جَعَلْت الحجر يَصُكُّ الحجر، فكذلك: دَفَعْتُ زيداً بعمرو عن خالد، معناه: أدفعت زيداً عمراً عن خالد أي: جَعَلْتُ زيداً يدفع عمراً عن خالد، فللمفعول الأول تأثيرٌ في الثاني، ولا يصحُّ هذا المعنى هنا إذ لا يَصِحُّ أن يقدَّر: أَسْبَقْتُ زيداً الكرة أي: جَعَلْتُ زيداً يَسْبِق الكرة إلا بمجازٍ متكلِّف، وهو أن تجعلَ ضربَك للكرة أولَ جَعْلٍ ضربةً قد سبقها أي تقدَّمها في الزمان فلم يجتمعا". و "مِنْ" الأولى لتأكيد الاستغراق والثانية للتبعيض.
الوجه الثاني من وجهَيْ الجملة: أنها حال، وفي صاحبها وجهان أحدهما: هو الفاعل أي: أتأتون مبتدئين بها. والثاني: هو المفعول أي:/ أتأتونها مُبْتَدَأً بها غيرَ مسبوقةٍ من غيركم.